«الكشري» أشعل الحرب في لبنان؟!

«بطل من الجنوب» لم يحدد أهدافه وأسئلة كثيرة وإجابات قليلة

TT

قدمت السينما اللبنانية عشرات من الأفلام عن الحرب اللبنانية. انتقدت الأفلام المنظور الطائفي للحرب والذي أشعل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في شرق بيروت وغربها.

رغم أن التحليل الحقيقي لأمسيات الحرب يثبت أن الفتنة لم تكن لها علاقة بالأديان لكنها جاءت من خلال أصابع امتدت من اسرائيل وأرادت أن تشعل النيران وتعانقت مع الفساد الذي من الممكن أن يتحالف مع الشيطان. ويأتي فيلم «بطل من الجنوب» المأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب الصحافي «شريف الشوباشي» كرؤية مصرية لهذا الصراع ويريد من خلالها «شريف الشوباشي» التأكيد على أن التطرف ليس مرتبطا بدين لكن مناخ ما هو الذي يفرز هذا التطرف وهذا هو ما تقدمه قصة «الشيخ عبد الله».. الشيخ عبد الله كان قبل 30 عاماً طفلا مسيحيا من أب وأم مصريين كانا في رحلة إلى بيروت وفقدا طفلهما الذي يدعى «ملاك».. وتلتقطه أسرة مسلمة تربيه وبفعل المناخ العام يتطرف ومع مرور الزمن يتم العثور عليه بالصدفة بعد أن أصبح يدعى «الشيخ عبد الله» وبات متطرفاً ويحمل السلاح رغم أن الأسرة المسلمة التي ربته ترفض العنف والدماء وبعد أن يكتشف هذه الحقيقة يرفض أن يرى أمه وأباه الحقيقيين ويسافر بعيداً بعد أن ماتت بداخله المشاعر الانسانية. العمق الفكري الذي أراده شريف الشوباشي التأكيد علىه هو أن المناخ الفاسد والمصالح هما المسؤولان عن هذا التطرف لكن كاتب السيناريو «أشرف محمد» والمخرج «محمد أبوسيف» قدما معالجة أخرى من زاوية من هي الأم هل هي التي أنجبت أم التي أنشأت وتحملت وربت ولهذا فإن «نجلاء فتحي» التي تلعب دور الأم المصرية المسيحية تأتي إلى بيروت لاسترداد ابنها بينما الأم اللبنانية المسلمة التي تؤدي دورها الفنانة اللبنانية «كارمن لبس» تشعر بأن هذا الشاب والذي أدى دوره «دنيال مطر» هو ابنها الحقيقي حتى لو لم تنجبه بيولوجياً.. قبل أن تبدأ أحداث الفيلم يسرد الاذاعي القدير «حمدي قنديل» أحداث الحرب اللبنانية لتبدأ الأحداث عام 1990 .

ويحرص الكاتب «أشرف محمد» على أن يضع بطلتيه وجهاً لوجه دائماً وذلك في صراعهما على الطفل ولهذا يخرج من الصراع مباشرة كل من الأب المصري الذي أدى دوره «أحمد خليل» والأب اللبناني الذي أدى دوره «جوزيف بونصار» وذلك بدون أسباب منطقية حيث أن الأب المصري عندما يكتشف أن ابنه مسلم يعود إلى مصر بينما الأب اللبناني يسافر من أجل أن يعقد صفقات تجارية بعيداً عن بيروت حيث محل اقامته، ويدخل المخرج والكاتب الصراع في اطار كوميدي يجرح القضية حيث أن كل من الأم المصرية والأم اللبنانية تسعى للسيطرة على الشاب ولاثبات أمومتها ولأن الأحداث ينبغي أن تتعرض للأزمة اللبنانية وجذورها فانها تنتهي إلى أن تقول نجلاء فتحي وهي على مائدة الغداء مع ابنها وصديقه أن الصراع اللبناني أشبه بالكشري وكله على كله؟! فقد «محمد أبو سيف» قدرته على الامساك بلحظات شاعرية كثيرة مثل أول مقابلة بين الأم وابنها لأنه بالنسبة لها ما يزال طفلاً لا يتجاوز الثالثة من عمره وهي بالنسبة له ـ صورة ـ «أم» لا تملك ذاكرته منذ أن كان طفلاً الاحتفاظ بها. انتظرنا أن نرى انعكاس ذلك على الوجوه في لقطات تحمل هذا الزخم من المشاعر المتباينة لكن المخرج لم يستطع أن يمسك بهذا الخيط وقدم مشهداً فاتراً، وجاء أيضاً المشهد الأخير حيث أن الشاب انضم إلى «حزب الله» وقتل برصاص الاسرائيليين بعد عملية فدائية ناجحة وكان ينبغي أن نرى الطفل محاطاً بأمه المصرية التي أنجبته وأمه اللبنانية التي ربته لكن المخرج أبعد الأم اللبنانية «كارمن لبس» لتنفرد «نجلاء فتحي» باللقطة الأخيرة حيث تحتضن ابنها.

أثار الفيلم في البداية العديد من الاسئلة حول موقف هذا الشاب المصري والمسيحي الأصل والذي يكتشف أنه كذلك بعد أن نما باعتباره لبنانيا مسلما لكنه هرب من أن يقدم أي اجابات! لم يمنحنا الفيلم أي وجهة نظر خاصة بالحرب الطائفية في لبنان واكتفى بوصفها أنها ـ كشري ـ عاب على المخرج «محمد أبو سيف» حالة الاستعجال التي شابت تنفيذ أغلب مشاهد الفيلم وخاصة في البداية والنهاية! لم يحقق فيلم «بطل من الجنوب» أياً من أهدافه فهو لم يناقش الحرب اللبنانية ولم يتصدى للطائفية ولم يحدد حتى موقفه من هذا الصراع بين الأم بالميلاد والأم بالتربية. انه فيلم الاسئلة الكثيرة والاجابات القليلة أو اللا اجابات!