جهاد الأطرش يزيح قناع «دوق فليد» ويقول: لم أكن أتوقع نجاح «غراندايزر» لهذا الحد!

بعد 30 عاماً من مشاركته في دبلجة مسلسل الكرتون الأنجح على الإطلاق

TT

بدا أمين سر نقابة الفنانين المحترفين في لبنان، جهاد الأطرش، مندهشاً عندما سأل عن موضوع هذه المقابلة وأجبته.. «غراندايزر». فالأطرش الذي يعد أحد أركان جيل النخبة من المؤدين اللبنانيين، سواء في الاذاعة أو التلفزيون، قام بأداء آلاف الأدوار على امتداد العقود الأربعة الماضية. كما قام بدبلجة صوت النبي زكريا عليه السلام في مسلسل «مريم المقدسة» والإمام الحسين مثلاً، كما مثل شخصيات تاريخية من العيار الثقيل، أمثال الإسكندر المقدوني، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وامرؤ القيس والخوارزمي وابن خلدون. وبدا طرح موضوع مسلسل الكرتون الشهير «غراندايزر» الذي أدى فيه صوت البطل «دايسكي» أو الـ«دوق فليد» كمن يطلب استخراج ملف قديم من أرشيف احدى الصحف العريقة، خصوصاً أن عملية الدوبلاج تمت في منتصف السبعينات من القرن الماضي. جهاد، الذي يدير حالياً دائرة الاخراج في الاذاعة اللبنانية ويسجل الوثائقيات بصوته لقناتي «العربية» و«المنار»، لم يكن يدرك أن هناك أجيالاً كبرت على عشق شخصية «دوق فليد»، ولازالت حتى الآن تردد عباراته الشهيرة التي برع في أدائها بصوته، أو تعيد مشاهدة المسلسل الذي يمتد على 90 حلقة مع ابنائها إما على الفضائيات أو على أشرطة الفيديو التي لا تزال تباع حتى الآن في الكثير من البلدان مثل لبنان، السعودية، الامارات، مصر وسورية. أما عن سبب النجاح الفريد لمسلسل الكرتون هذا، فيعتبر الأطرش ان هناك عدة عوامل لعبت دوراً، واصفا العمل بأنه «سبق وقته». وفيما يلي نص الحوار:

* هل فاجأك طرح موضوع «غراندايزر»؟ ـ لم أكن اتخيل أن الناس ما زالوا يهتمون بهذا العمل، أتذكر انه في الثمانينات لاقى صدى كبيرا، وكانوا يحكون لي عن بعض المديرين والمسؤولين الذين كانوا ينهون أعمالهم باكراً لمشاهدة المسلسل ساعة عرضه. وقد فوجئت قبل أشهر بمشاهدته يعرض على فضائيتين عربيتين، وقد أسعدني ان اشرطة الفيديو لا تزال تلاقي اقبالاً، ربما يجب علي أن أعيد جمع الحلقات جميعها.

* لماذا نجح «غراندايزر» بهذا الشكل اللافت؟ ـ أعتقد أن العمل جاء سابقاً لوقته، وأتذكر أن اليابانيين كانوا فخورين جداً به لدى انجازه. وما أعنيه بأن العمل جاء سابقاُ لوقته هو الاتقان الشديد الذي نفذ به على الرغم من تواضع الامكانات التي كانت متاحة مقارنة باليوم. فالعمل كان انتاجا ضخما بكل المعايير، فجاء متقناً من كل النواحي، سواء الرسم أو القصة والخيال الذي تحتويه، أو حتى الموسيقى، التي لحنها وكتبها الفنان سامي كلارك، ويرددها كثيرون حتى اليوم. وهناك عامل آخر لا بد من التطرق إليه، وهو الوقت الذي طرح فيه «غراندايزر»، ففي تلك الفترة كنا نعيش حرباً في لبنان، وكان العالم العربي بأسره يتألم لاحتلال الأراضي الفلسطينية، فأتى «غراندايزر» بما يمثله من قيم تتحدث عن حب السلام والدفاع عن الأرض والتصدي للأعداء، أعتقد أنه كان لذلك أثر في اثارة الأحاسيس الوطنية، ولست أدري ان كان العمل قد ترك نفس الأثر لدى الفرنسيين أو الأميركيين عندما ترجم إلى لغتهم.

* ألا تعتقد أن للدبلجة دورا؟ ألم تعش شخصية دايسكي«دوق فليد»؟ ـ أنا أحاول دائماً وضع صوتي على الشخصيات المؤثرة، لأنني أرى جانباً أخلاقياُ في عملي، أما بالنسبة للدبلجة المتقنة، فأعتقد أن ذلك يعود لكون الفريق الذي كنت أعمل معه جميعه من الممثلين المحترفين. وأشير إلى انه في تلك الأيام لم تكن هناك تقنيات «المونتاج» المتوفرة اليوم فيما يتعلق بتسجيل الصوت، فلا يمكن تعديله كما يحدث مع المطربين والمطربات الجدد. كانت التقنية المتوفرة هي تقنية الـ«ماديولا»، وكان جميع الممثلين يقفون لتسجيل أصوات جميع المشهد، ولا يمكن التوقف في نصف الجملة، وانما لدى الخطأ كنا نضطر للعودة إلى البداية واعادة التسجيل من البداية.

* الكثيرون، خارج لبنان، لا يعرفون عنك أكثر من أنك أديت صوت «دايسكي»، فهل لك أن تعرفهم بنفسك؟

ـ بدأت العمل في الستينات، عندما دخلت اذاعة لبنان، وتلفزيونيا انطلقت عام 1962، وكنا نقوم بأعمال مميزة في المناسبات، وأهم النقاط في بداياتي كانت عام 1965 بعمل «حكمت المحكمة»، ومن ثم توالت البرامج حتى اليوم، لي أكثر من 20 ألف عمل بين الاذاعة والتلفزيون وهي تختلف في مواضيعها بين العلوم والتراث، والأدب، ومن بينها «شمس العرب» و«سيوف الحق» و«حكاية قصيدة» و«صدق المثل»، ومن بين آخر المسلسلات التلفزيونية «نساء في العاصفة» و«غدا يوم آخر».

* وماذا عن أبرز الجوائز والتكريمات التي حصلت عليها في مسيرتك؟ ـ تشرفت بالحصول على عدد من الجوائز، لكن مأخذي هي انها جميعاً اتت من خارج البلاد، أعني قد تشاهد المهرجانات في القاهرة أو دمشق، أما هنا في لبنان فلم يشكل ذلك التنظيم الذي نطمح اليه كنقابة فنانين محترفين.

* ألا تعتقد انك ساهمت من خلال أدوارك بالفصحى في تقريب اللغة إلى الناس؟ ـ طبعاً هناك اساتذة كبار في فهم وتدريس اللغة العربية واتقانها هم أفضل مني، لكن بالنسبة لي فنعم اعتقد انني بحكم أعمالي ومسؤولياتي كرئيس دائرة اخراج أساهم في نشر اللغة الصحيحة، فمثلاً عندما يسمع الطفل جملة ملفوظة بشكل سليم في «غراندايزر» فهو تلقائياً سيرددها بشكل سليم. هذا وسبق ان تمت الاستعانة بي في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية، وأقوم حالياً بتدريب مذيعي ومذيعات الأخبار في كل من تلفزيون المنار و«نيو تي في» واذاعة لبنان على نطق اللغة العربية. لكن هذا لا ينفي ان هناك حالياً الكثير من الطلاب والاعلاميين غير ملمين بالقواعد الصحيحة، وهذا إما بسبب تركيزهم على اللغات الاجنبية، او الاكتفاء بكتابة اللغة وليس نطقها بطريقة سليمة. أتمنى أن يتم التشديد على هذه النقطة في شكل أكبر في المدارس والجامعات، والتركيز على تعليم النطق السليم للطلاب.

* بماذا تنصح المذيع أو الممثل كي يحسن نطقه؟ وكم ساهمت التكنولوجيا الحديثة في تخفيف العبء عن المؤدين؟ ـ ليست هناك قاعدة محددة، فقد يحتاج الشخص لتعديل نطقه لحرف أو حرفين مثلاً وذلك يستغرق وقتاً بحسب القدرات، أما الـ«خامة» فهي هبة من الله تختلف من شخص لآخر.

وبخصوص التكنولوجيا الحديثة، فهي سهلت عملية التسجيل، وتركيب الصوت على حركة الشفاه lip sync، وبامكانها تضخيم الصوت مثلاً. إلا أن ذلك كله لا يغني المؤدي أن يعمل على مخارج الحروف، لأن هذه مشكلة لا يمكن حلها بالمونتاج.

* هل تحس ان هناك نوعا من التعالي على اللغة العربية من قبل البعض؟ ـ نعم، هناك الكثيرون ممن يفضلون النطق بلغات أجنبية. إلا أن ذلك لا ينفي أن المشكلة الأساسية هي أن الغالبية لا تتلقى التعليم الصحيح في النطق، ولو عدنا إلى مثال طلاب الإعلام فستجد انهم يتلقون دروساً عن الصحافة أو المسرح مثلاً، ولكن لا أحد يهتم بتلقينهم قواعد الالقاء، وإن حدث ذلك ففي معظم الحالات يكون المدرس نفسه غير ملم بها