أهل الفن لا يفصحون عن ميولهم السياسية تجنبا للخسارة الشعبية

TT

غالباً ما يتساءل اللبنانيون عن الميول السياسية للفنانين.. وطالما تفادى اهل الطرب إظهار هذه الناحية، فهم يتكتمون عليها إلا في حالات نادرة، ويعتبرونها مسألة دقيقة قد توقعهم في مشاكل هم بغنى عنها فيما لو اعلنوها.

وتأتي هذه التساؤلات عادة في مواسم معينة تواكب احداثاً سياسية محلية او خارجية. وتعتبر شريحة لا يستهان بها من الفنانين المعروفين أن الخلط بين السياسة والفن غير وارد، لانهما حسب رأيهم يشكلان خطين متوازيين. ورغم ذلك لم يتوان بعض الفنانين اللبنانيين من اظهار تعاطفه مع شخصية او حدث سياسي، كما حصل مثلاً في الفترة الاخيرة بعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فقد اقبل الفنانون، مجموعات وافراداً، على اداء اغان خاصة بالراحل الكبير، فيما غابت وجوه فنية معروفة تماماً عن الساحة في هذا الظرف، «لانها رفضت التعاطي مع الحدث بطريقة تجارية»، كما ذكر مثلاً زياد بطرس، عندما سئل عن سبب احتجاب شقيقته جوليا عن هذه الظاهرة.

اما وديع الصافي ونقولا الاسطا وعبدو منذر وزين العمر، وغيرهم، فقد اظهروا جهراً مساندتهم للعماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر، اثر عودته من المنفى بعد خمسة عشرة عاماً، فنزلوا الى ساحة الشهداء وشاركوا في إحياء حفلة خاصة بالمناسبة فغنوا فيها حتى ساعات متأخرة من الليل. وكان ملحم بركات واحداً من المطربين القلائل الذين اعربوا عن اعجابهم الكبير بوصول العماد اميل لحود الى سدة الرئاسة اللبنانية عام 1998 فغنى له «من بين الناس».

وعادة ما يكتفي المطربون باداء الاغاني الوطنية التي تحيي لبنان او جيشه، لذلك كانوا يقدمون على خطوات مماثلة في مناسبات رسمية معروفة، منها عيد الاستقلال وعيد الجيش او ذكرى التحرير وهو المناسبة التي ابدت بعض الجهات استغرابها لعدم تخصيص اي اغنية لها من قبل نجوم الفن في لبنان. والمعروف ان جوليا بطرس هي اول من غنت للمقاومة في الجنوب ولاقت شهرة واسعة بعد اغنية «نرفض نحنا نموت» التي اهدتها الى الشعب المقاوم في اوائل الثمانينات اثناء الاحتلال الاسرائيلي لتلك المنطقة. المطربة ماجدة الرومي من ناحيتها لم تتوان يوماً عن إظهار وطنيتها وتعلقها بأرض لبنان كما ابدت في اواخر الثمانينات وتحديداً عام 1990 تعاطفها مع رئيس مجلس الوزراء في تلك الحقبة العماد ميشال عون عندما زارته في مقره في بعبدا تحت صوت المدافع والانفجارات. وقد اطلقت على اثرها اغنيتها الشهيرة «سقط القناع» التي ما زال اللبنانيون يرددونها حتى اليوم في المناسبات الوطنية.

ويرى الشاعر الياس ناصر رئيس جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى Sacem انه ضد ركوب الفنان قطاراً سياسياً معيناً في فترة ما، اذ يفضل ان ينحصر تحزبه لوطنه فقط، بعيداً عن التيارات والأمواج السياسية التي قد تشهد مداً وجزراً هو بغنى عنهما.

بعض الفنانين لا يجدون في السياسة وأهلها ما يخدم مصالحهم الخاصة، لذلك يبتعدون عنها قدر الامكان لا بل لا يتوانون عن ابداء عتبهم على السياسيين عامة الذين لم يقدموا اي ضمانات انسانية للفنان اللبناني الذي عانى الامرين، إنْ اثناء الحرب اللبنانية او عندما يصبح عاطلاً عن العمل بسبب تقدمه في السن. وتقول الممثلة ليلى كرم: «انهم لا يتذكروننا الا عندما نموت، هذا اذا فعلوا، فلماذا علينا ان نذكرهم نحن او نبدي اعجابنا بهم».

نقيب الفنانين احسان صادق يرى ان «الفنان هو لجميع اللبنانيين» ولذلك يحاول قدر الامكان الابتعاد عن السياسة خصوصاً انها احياناً كبيرة تفقده بعض قاعدته الشعبية. في اوروبا والولايات المتحدة الاميركية الوضع مغاير تماماً وغالباً ما يستعين احد المرشحين لرئاسة الجمهورية او اي منصب سياسي آخر بفنان او ممثل له مكانته الشعبية في باريس، او هوليوود، للتأثير على المعجبين به وجذبهم لمساندة نفس الشخصية السياسية التي يحبذون برنامجها، وهو الامر الذي اعتمده عدة رؤساء اميركيين بينهم ريغان وكلينتون وبوش.