المؤلف السينمائي بلال فضل: كلما كتبت مشهدا كوميديا طلبوا المزيد

سيكف عن الكوميديا عندما ينتج لنفسه

TT

لعله الكاتب السينمائي الاكثر شغبا الذي عرفته الساحات السينمائية في مصر في الفترة الاخيرة، وهذا الشغب لا ينبع من تناوله لموضوعات شائكة، بقدر ما يكون ردا على النقد الذي تتعرض له أفلامه، ولعله الكاتب الاكثر نشاطا ايضا، حيث اصبح لا يخلو موسم سينمائي في مصر من وجود فيلم عن سيناريو لبلال فضل في لقاء مع «الشرق الاوسط» من القاهرة كان هذا الحوار.

* كيف يستطيع الكاتب ان يقدم اكثر من عمل في العام الواحد؟

ـ هذا عائد لأكثر من سبب، وإذا سارت كل اعمالي بدون اي عثرات فمن الممكن ان يتواجد لدي 6 أو 7 اعمال في العام الواحد، وأنا لا اعتبر ذلك «تهمة»، حيث انني رجل لا اصنع شيئا في حياتي سوى الكتابة، امارس الكتابة يوميا، يوما اكتب سطرا ويوما اكتب نصف فيلم، وقد قضيت فترات طويلة عاطل عن العمل لا افعل شيئا سوى الكتابة السينمائية، واعمل الان على الصيد الذي انجزته، وأعود الى ابوالسعود الابياري وعلي الزرقاني وما يحملانه من رصيد تعدى الـ 100 فيلم، واتمني ان اكون مثلهم، اموت وقد كتبت 100 فيلم.

* الا تخشى من التكرار؟

ـ احيانا اقوم بكتابة جملة ما أو حتى مشهدا وأجد أنه مكرر، لكني أفكر في المكان الانسب واضعه فيه ولان افلامي تعد عالمي الخاص، فإني ادرك كل شيء كتب فيها، وإذا حدث وتعرضت للسهو فهناك من يذكرني، المخرج أو البطل، ووظيفتي ايجاد الحلول.

* الا تشعر بأنك تقيدت في الكوميديا؟

ـ عندما أحاول تقديم فكرة مختلفة، أجد منتجاً أعرضها عليه يقول لي «يعني تعطي للناس الحاجات الحلوة وتيجي على انا» فاضحك وأعود للكوميديا، وفي اعتقادي أن ابتعادي عن الكوميديا سوف يحدث في حالة من اثنتين اما ان تتغير طبيعة الافلام في مصر او أن اقوم بانتاج افلامي.

* تحمل الافلام الكوميدية الخفيفة دائما قدرا من الاستخفاف والسذاجة، كيف تواجه ذلك والكوميديا الخفيفة هي الطابع الغالب على كل اعمالك؟

ـ اذا صنفت اعمالي فلدي فيلمان فقط يعتبران كوميديا خفيفة، ربما يكون للنقاد او الجمهور رأي اخر، وهما «حراميه في كي جي تو» و«الباشا تلميذ». المشكلة الرئيسية في السينما المصرية ان الكاتب يكتب مشهدا كوميديا واحدا فيطالب المخرج بالمزيد منها في باقي المشاهد الجادة، من وجهة نظري «صايع بحر» و «خالتي فرنسا» و «ابو على» ليست افلاما خفيفة على الاطلاق، فـ«صايع بحر» و«خالتي فرنسا» كوميديا سوداء، لانها تطرح قضايا في منتهي الهم والشجن ولكن بالاسلوب المصري الساخر، فهي اقرب الي الكوميديا الشعبية، بها روح الحياة في مصر، وقد يري البعض انها «هرج»، لكنه اذا كان عاش هذه الحياة ورأها، فلا اعتقد انه كان سيعتبرها كذلك، فالشاب الذي يعمل في ثلاث مهن حتي يستطيع العيش، والنساء اللائي يذهبن لعمل فضيحة لرجل اعمال حتي يساومنه على جزء من المال، لا اعتقد ان ذلك كوميدي، انها قمة المأساة. وأحيانا اقول لعلي رجب في تعبير ساخر، إن افلامه كانت ستقدر ويكتب عنها جيدا، لو كان يطرح موضوع الفيلم بشكل حزين وموسيقي حزينة والبطل يقتل امه في النهاية. اننا نقدم نفس الهموم التي قدمت في افلام داود عبد السيد ورضوان الكاشف وعاطف الطيب، لكن مع الفارق انهم يقدمونه بشكل مأساوي ومرير، وفي النهاية كل انسان يقدم نفسه، انا رجل متفائل وفي يوم من الايام عشت هذه الظروف السيئة، وعرفت هؤلاء المهمشين فلم اذهب الي الحواري كزائر، والآن حياتي تغيرت وأصبحت افضل، لذلك من حقي ان اضع نهاية سعيدة في افلامي، ومع ذلك فانا استمتع بالأفلام الحزينة، لكني لا اقدمها ولدي سيناريو في منتهي التراجيديا والميلودراما. كل نجوم مصر الكبار رأيهم ان هذا افضل سيناريو كتبته، وأجمل فيلم قراؤه لكن احدا لا يريد تقديمه، وإذا كان النجوم الكبار يخشون من تقديمه فهل سيقدمه «العيال اللي لسه طالعين».

انا رجل واقعي مع نفسي واعتبر ان الرحلة مازالت في بدايتها، ومازلت اتعلم ومن يفسد لي سيناريو لا يمكن ان اعمل معه مرة اخرى، ساندرا نشأت لا يمكن ان اعمل معها مرة اخرى ولا مجدي الهواري، لكن ما يحافظ على ورقي ويعلي من شأنه اعمل معه، مثل كريم عبد العزيز او علي رجب او عبلة كامل. ولست معنيا بأن النقاد لا يحبون علي رجب.

* لا يحبونه؟

ـ نعم، نحن نعمل في وسط، الحب والكره، لهما تأثير كبير فيه، وفي النهاية كل الافلام تعيش وكل النقد لا يعيش، وسأضرب مثلا، الاستاذ محمد تيمور عميد المسرح ورائد المسرح له كتاب بعنوان حياتنا التمثيلية في الثلاثينات، يسب فيه نجيب الريحاني ويتهم بديع خيري بنفس التهم التي يتهم بها الان بلال فضل واحمد البيه واحمد عبد الله.

* لكننا الان لسنا في الثلاثينات وتفتح الناس ومدى ادراكها تطور؟

ولذلك انا اراهن على الناس، هم بالنسبة لي المقياس لذلك لا استطيع مشاهدة فيلمي الا بعد شهر من عرضه، لأني ادخل في خلال هذا الشهر الحفلات فقط لاستمع لتعليقات الناس، لضحكاتهم، بكائهم وهذا جمهوري الذي يدفعني للعمل والذي احيا في خيره، وشعاري في الحياة «اكتب ما تعرف، اكتب ما يعبر عنك» الناس احبوه خير وبركة، النقاد كتبوا عنه، شيء عظيم، لا الناس حبوه ولا النقاد كتبوا عنه، ذلك لا يفقدني ثقتي في نفسي، لأني لا بد ان اكون صادقا مع نفسي حيث انني لا اكتب للناس او النقاد فانا اكتب لنفسي.

* ولكن الكوميديا السوداء من المفترض الا تكون خفيفة؟

ـ بالنسبة للناس لا.. فهم يفضلون ألا تكون كئيبة.

* وما رأيك في ان الفيلم الخفيف يدخل في طيات النسيان سريعا بعكس الافلام الاخرى؟

ـ لا أعتقد ذلك، والدليل أن «صايع بحر» رابع اعلى فيلم في نسبة توزيع الفيديو في العشر سنوات الاخيرة، واذا نظرنا لافلام نجيب الريحاني عندما كان يردد «مفيش اكثر من المقشات في البلد اكنس اكنس» وقتها كان أفيه، الان يفسر على انه له مغزى سياسي، وفي فيلم «ابو علي» عندما كنت اذهب للحفلات اجد الشباب يقولون لي «ده فيلم سياسي جامد جدا»، في حين ان النقاد فسروه على انه فيلم بوليسي، أي ان الناس استوعبت المضمون والنقاد القشرة، مع انه من المفترض ان يحدث العكس، وقد حدث ذلك للاسف الشديد لان ضمائر الناس غير ملوثة، بعكس ضمير المثقف الذي تلوث بالمعرفة المشوشة التي يستمدها من الكتب والافلام الاجنبية، فيستقبلني الناقد وفي وعيه فيلليني وانطونيوني، وهذا لا يصلح فمن المفترض ان يستقبلني وفي ذهنه فريد شوقي، نجيب الريحاني وعادل امام، ولذلك قدر النقاد ـ مع احترامي ـ فيلم «بحب السيما» لان فيه روح فيلم «سينما بارديسو».

* لكن «بحب السيما» احبته الناس ايضا؟

لا، لم ينجح جماهيريا وسأذكرك بذلك فقد وصل للناس فقط من خلال الضجة النقدية والاعلامية، والدليل ان «عرق البلح» لم يحقق أي نجاح برغم كل ما كتب عنه، بعكس «اللمبي» الذي يعد فيلما شديد الاهمية، واكثر فيلم عبر عن الشخصية المصرية، وما يحزنني أن «صايع بحر» كان من المفترض عرضه قبل اللمبي بثلاث سنوات وكان سوف يؤدي لهذا الاتجاه في السينما، إلا أن تأخيره أدى إلى أن يسبقه «اللمبي».

* ما هي شروط استمرارية اي كاتب سيناريو؟

في مصر شروط النجاح والاستمرارية بركة دعاء الوالدين، لان المهارة لا تؤدي للاستمرارية، بدليل انني اعرف كتاب سيناريو في منتهي المهارة، اصدقائي واساتذتي، اصبحوا محبوسين داخل منازلهم غير قادرين على الاستمرار. وبالنسبة لي، فانني أعتبر مهنتي تقديم ما هو مطلوب! يعني، اذا طلب مني عمل فيلم بطولة «ناس آليين» سوف اقدمه، ولكني الى حد كبير احاول الا اكون محترفا اكثر من اللازم. فلا اعمل ما لا يقنعني ولا مع من لا أحب.