الفنان المغربي عبد السلام الخلوفي لـ : الموسيقى الأندلسية تعاني التهميش وعزوف الشباب

TT

قبل 20 سنة أسس الفنان المغربي عبد السلام الخلوفي، الذي لم يكن يتجاوز لحظتها ربيعه التاسع عشر، فرقة «ليالي النغم» المتخصصة في الطرب الاندلسي. ولم يتخيل هو نفسه ان تتحول المجموعة التي اطلقها الى احدى الفرق المغربية الشهيرة والمتخصصة في هذا النوع الموسيقي التراثي الاصيل، الذي يذكر المغاربة بما ابدعته انامل اجدادهم طيلة قرون الوجود العربي في الاندلس التي وصفها الشاعر يوما بكونها «لم تكن الا كخلسة المختلس».

هذا النجاح لم يأت بفعل الصدفة. فعبد السلام الخلوفي، تشبع بالفن منذ نعومة اظفاره نظرا لولادته في اسرة يهوى الاب فيها المساهمة في حفلات المديح و السماع، التي تخصص للاذكار الدينية، في حين تحفظ الام العديد من الاغاني الشعبية التراثية التي كانت متداولة في شمال المغرب. اضافة الى ذلك فهو من الموسيقيين القلائل الذين يجمعون الخلفية الفنية مع التكوين الادبي الرصين. والذين يحضرون حفلاته يلاحظون انه لا يقدم أغنية ولا ميزانا موسيقيا معينا للجمهور الا اذا استفاض في شرح أصوله ومعاني كلماته الشعرية وأسرار عزفه وتطوره الزمني من العهد الأندلسي الى فترتنا الحالية. لذا فان حفلات الفنان الخلوفي غالبا ما تجمع بين المتعة والاستفادة.

وحول البعد المتعدد و المتمازج للموسيقى التي يقدمها رفقة زملائه في فرقة ليالي الطرب يقول: «الموسيقى الاندلسية خلاصة لتلاقح الثقافات الغربية والمشرقية. فمكوناتها تمتزج فيها الجذور الاولى التي جاء بها زرياب من الشرق العربي، ومخلفات الثقافة الايبيرية القوطية التي وجدها العرب في الاندلس لدى دخولهم اليها، وعناصر التراث الامازيغي المغربي الذي ادخله المغاربة الى هذه البلاد منذ فتحها على يد طارق بن زياد، ذلك ان اغلبية الجيش الاسلامي الذي فتح هذه البلاد كانت من الامازيغ الذين حملوا معهم عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم الفنية الى اقصى بلدان الغرب الاسلامي. والمدهش في حالة الموسيقى الاندلسية ان عناصرها قد امتزجت تماما منذ دشن، ابو بكر ابن باجة، تقعيد اصولها في عهد المرابطين، قبل ان يواصل عمله تلامذة مرموقون مثل ابن الحاسب، ابن الجودي، امية بن ابي الصلت...».

ويعتبر، الخلوفي، ان اصل الموسيقى العالمية كلها يعود الفضل فيه في الحقيقة للموسيقى العربة الاندلسية، ولابن باجة بالضبط. فالنموذج الذي وضعه اصبح هو المعتمد في الموسيقى العالمية. واذا كان الطرب الاندلسي يتحدث عن اربع مراحل للمعزوفة هي، البغية، التصديرة، القنطرة ثم الانصراف، فان موسيقيي الغرب لم يفعلوا اكثر من تغيير الاسماء الى اخرى اكثر بساطة حين استخدموا نفس المراحل الاربع واسموها تباعا: المقدمة، المرحلة الوئيدة، المرحلة المتوسطة ثم السريعة. وحول الوضعية الحالية للطرب الأندلسي في المغرب يقول مؤسس فرقة «ليالي النغم» بنبرة من القلق: «لا يخفى على احد ان وضعية الموسيقى الأندلسية اليوم في حالة حرجة في ظل التغييرات الكثيرة التي طغت على الساحة التلفزيونية والفنية. حيث اصبح التراث الموسيقي العريق الموروث يعاني من التهميش وقلة الانتشار وعزوف الشباب عنه. وحتى المهرجانات التي تقام هنا وهناك اصبحت غير فعالة كونها لم تعد مناسبة للدراسات الرصينة والمعزوفات المحافظة على أصول الطرب الأندلسي، بل أصبح منظموها وقاصدوها يعتمدون على النزوع نحو الخفيف الذي يعتبر شكلا من اشكال تخفيض المستوى الفني ليناسب الذوق العام المتجه نحو كل ما هو سطحي. أما على مستوى الذيوع الجماهيري فقد أصبحت الوضعية مزرية لان الاقبال يتجه نحو المقطوعات الشرقية والشعبية في المغرب، ونحو الاغاني السوقية والاستهلاكية».

وحول اسباب هذا التدهور يقول الخلوفي: «الذنب ليس ذنب الجمهور، بل هو ذنب التربية الفنية التي لا يتيسر اكتشافها للشباب، وحتى المدارس والمعاهد المتخصصة اصبحت تعتمد اساسا على التحفيظ الجزئي وتغليب التدريس التقني بدون توضيح الخلفية الثقافية والحضارية العميقة لهذا الفن الراقي».

ورغم كل شيء يسجل الخلوفي بعض الملاحظات الايجابية في هذا المجال حين يتحدث عن المجهود الذي قامت به وزارة الثقافة المغربية في مطلع التسعينات حين عملت على تسجيل ما تبقى من التراث الطربي الأندلسي الذي كان مهددا بالاندثار. خاصة أن هذه التسجيلات اكتسبت طابع الشمولية وغطت الاتجاهات الثلاثة الرئيسية في هذا المجال وهي: المدارس الفاسية والوكيلية والتطوانية.