المسلسلات التلفزيونية المصرية من الإبداع إلى الانحدار

أسباب الضعف والتراجع...

TT

من الأسباب التي ساهمت في ضعف وتراجع الدراما التلفزيونية المصرية في السنوات الاخيرة، عدم استناد عملية الإنتاج إلى خطة محددة تعكس ما يشغل المجتمع المصري بكل فئاته، وغياب التنسيق بين قطاعات الإنتاج المختلفة.. قطاع الإنتاج في اتحاد الإذاعة والتلفزيون ومدينة الإنتاج الإعلامي وصوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، إلى جانب المط والتطويل في المسلسلات، بحجة تسويق هذه الأعمال، حتى لو جاء ذلك على حساب المستوى الفني والاستجابة لمطالب كبار النجوم في الحصول على أجور عالية، زادت عن المليون ونصف المليون جنيه في العام الماضي، وهذا ما تؤكده أيضا الآراء الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب. وفي هذا العام طالعتنا النجمة الهام شاهين برفع أجرها إلى حاجز الثلاثة ملايين جنيه، وإذا ما خضع التلفزيون لرغبات النجوم فان خريطة النجوم والمسلسلات لن تتغير عن السنوات الماضية، رغم التراجع والفشل والخسارة أيضا في التسويق، ومن هنا ثار النجوم في العام الفائت واقسموا بأغلظ الأيمان أن مسألة الأجور عرض وطلب، ووقتها رفضوا ان تحدد الأجور في فئات ثلاث كما قيل من قبل إلى جانب الفئة الممتازة.

لائحة مؤجلة

* تراجعت النقابة والقطاع الاقتصادي ومدينة الإنتاج الإعلامي بعد ان تذمر النجوم والنجمات وقتها وقرروا تأجيل العمل بتلك اللائحة إلى هذا العام، وها نحن في هذا العام و«لا حس ولا خبر» عن اللائحة، ولان أجور النجوم والنجمات تستهلك مبالغ ضخمة من ميزانية العمل الدرامي، مما يؤثر في العناصر الأخرى للعمل، ذلك إلى جانب سيطرة الإعلان على الدراما التلفزيونية، فان الكثير من تلك الأعمال تأتي مهلهلة ومفككة دراميا وضعيفة للغاية، ولا تحتوي على أي نوع من الإثارة. خطط سنوية

* كذلك يجب أن يهتم اتحاد الإذاعة والتلفزيون بوضع خطط سنوية محددة لموضوعات المواطن المصري والعربي على حد سواء. ويجب الا نغرق في المحلية الشديدة، لان مثل هذه الأعمال قد لا تجد لها طريقا للتسويق، فمسلسل يناقش أزمة الإسكان في مصر لا نستطيع ان نسوقه للكويت أو السعودية لعدم وجود أزمة إسكان عندهما، ومن هنا فمثل هذا العمل لا يحقق إيرادات. وعليه يجب ان تكون الأعمال الدرامية التلفزيونية، حتى لو كانت محلية، نابعة من الإنسان المصري وتراثه وحضارته. جهاز الرقابة

* ولابد أيضا ان يتم تعديل صلاحيات جهاز الرقابة على تلك الأعمال وعلى لجان القراءة أيضا لتلافي ظهور الأعمال التلفزيونية الهابطة، وأن تحرص قطاعات الإنتاج على اختيار قصص وروايات كبار الكتاب والأدباء، التي لم يسبق تحويلها إلى أعمال فنية، بهدف شحن وجدان وعقول الجماهير، خاصة الشباب ودفعهم إلى المشاركة في بناء الوطن ونهضته وتحديثه من خلال القيم الإيجابية التي تتضمنها روايات هؤلاء الرواد، على أن يضع القطاع الاقتصادي قواعد محددة لزمن الإعلان وللقطاع الإعلاني على البرامج والمسلسلات الدرامية.

أخطاء الماضي

* كما يجب ان نتلافى أخطاء الماضي وان تقوم الجهة المنتجة للعمل الفني بتحديد مواصفات أعمالها ومستوياتها الدرامية قبل التصوير، فهناك نجم يستطيع ان يأخذ العمل إلى أعلى ويحقق به نجاحا كبيرا بالأداء الممتع والمقنع، مثل يحيى الفخراني في أعماله الأخيرة، « عباس الأبيض في اليوم الأسود» و«الليل وآخره». وهناك عمل قد يكون متميزا على الورق ولكن عند التنفيذ يفقد الكثير من مقومات تميزه ونجاحه، لأنه صنع تحت ضغط ضيق الوقت مثلا. وهناك بعض الممثلين والممثلات تمرسوا على العمل تحت مقصلة ضيق الوقت هذه، ومع ذلك تجد أعمالهم على مستوى جيد، مثل يسرا في مسلسلاتها الأخيرة أيضا التي قدمتها للشاشة الصغيرة، «أين قلبي» و«أواني الورد» و «ملك روحي» و«لقاء على الهواء»، لأنها فنانة موهوبة ومتمرسة ولديها ثقة في فريق العمل. كما ان هناك مخرجين أصبحوا «ماركة رمضان»، من خلال أعمالهم، وعلى رأسهم مجدي أبو عميرة، وهناك نجوم استمروا عدة سنوات على شاشة رمضان حتى ملهم الجمهور، ويجب على اللجنة العليا للسياسات الإعلامية ان تراعي التنوع في اختيار النجوم وإتاحة الفرصة أمام الجميع للتواجد على شاشة رمضان، ولا تكون حكرا على فنانين وفنانات دائمين على الشاشة حتى لو كانوا صنعوا لأنفسهم جسرا طويلا من الثقة مع جماهيرهم عبر أعمالهم.

أيضا يجب ملاحظة ان بعض النجوم يغضبون من عدم عرض أعمالهم في رمضان مثلا، وان هذه الأعمال تباع حصريا لمحطات فضائية عربية، مثل «أم بي سي» أو أي محطة أخرى، لان هناك محطات مثلا سلكت طريقا آخر، مثل تلفزيون دبي، حينما دخل شريكا في الإنتاج بنسبة 70% في بعض المسلسلات مع مدينة الإنتاج الإعلامي، وقد نجحت تلك التجربة واستطاع نظير ذلك ان يحصل على حق العرض الحصري الأول في زمن المنافسة الإعلامية الشرسة في الفضائيات العربية، ومن الأعمال الأخيرة التي حصل عليها «يا ورد مين يشتريك» للفنانة سميرة احمد وحسين فهمي و«عفاريت السيالة» لصفية العمري وعبلة كامل واحمد الفيشاوي.

الانحدار واللصوصية

* وعندما نبتعد عن الانحدار السائد حاليا في الأعمال الدرامية التلفزيونية، ونبتعد أيضا عن اللصوصية ونركز فقط على الإبداع والخلق والابتكار وطرح القضايا الشائكة والجريئة بلا خوف أو تردد.. حتما ستكون لدينا دراما قوية قادرة على الصمود والتحدي بما تملكه من خبرات لسنوات طويلة، فتلك الخبرات قادرة على ان تخرج الدراما التلفزيونية المصرية من عثرتها الحالية، لتعود منتعشة كما كانت لسنوات طويلة، في وقت كانت بمفردها على الساحة تمارس هوايتها بتألق وحرية، والآن بعدما وجدت الدراما ووجدت قنواتها الشرعية في بلدان عربية أخرى عديدة، بل وجدت دراما قوية في دول مثل الكويت والسعودية في أعمال فنية مثل «طاش ما طاش» من السعودية و«دنيا القوي» من الكويت و«الطريق إلى كابل» و «ليالي الصالحية» من سورية.