موجة من المسلسلات التاريخية: نجوم في رداء الزعماء والمشاهير

TT

لم يكن ظهور الزعماء والسياسيين والمشاهير من نجوم الفن أمرا غريبا.. بل أصبح يشكل عنصر جذب درامي على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة وأيضا عنصر تشويق جماهيري.. وباتت الدراما السينمائية في سنواتها الأخيرة تلقي الضوء على قصص حياة الزعماء، مثل جمال عبد الناصر الذي قدمه احمد زكي في فيلم «ناصر 56» من إخراج محمد فاضل وخالد الصاوي في فيلم «جمال عبد الناصر» للمخرج السوري أنور قوادري.. بينما قدمه رياض الخولي في مسلسل «أم كلثوم» من إخراج انعام محمد علي وصوره مؤخرا نبيل الحلفاوي في الجزء الثالث من مسلسل «أوراق مصرية» من إخراج وفيق وجدي. أما السادات فقدمه احمد زكي في فيلم «أيام السادات» من إخراج محمد خان وقدمه عبد الله غيث ومفيد عاشور واحمد عبد العزيز. كما تناولت الدراما شخصيات شهيرة مثل أم كلثوم وقاسم أمين وسعد زغلول وألمظ وعبده الحامولي وسيد درويش والملك فاروق والملك فؤاد الأول وجمال الدين الأفغاني وغيرها من الشخصيات التي أثرت التاريخ في حقب زمنية طويلة. والإمام محمد عبده يجري تصوير مسلسل تلفزيوني يتناول قصة حياته الآن ويجسد شخصيته احمد عبد العزيز، في حين تستعد المخرجة انعام محمد علي لإخراج مسلسل يتناول قصة حياة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب قريبا على الرغم من ظهور شخصيته في فيلم «حليم» بتجسيد الفنان عزت أبو عوف وأيضا فيلم «الرئيس والمشير» المقرر تصويره قريبا. كما ان اهتمام واحتفاء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته المقبلة التاسعة والعشرين والتي تبدأ فعالياتها 29 نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل بالنجوم الذين قدموا شخصيات سياسية وتاريخية شهيرة جعلنا نفتح هذا الملف الآن.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل هناك حجر أو محظورات رقابية تحد من حرية المبدع في تناول مثل هذه الشخصيات والى أي مدى نجح الممثلون في تجسيدها دراميا ؟ بداية لا يستطيع أحد أن ينكر النجاح اللافت الذي حققه الفنان الراحل احمد زكي حينما قدم قبل رحيله شخصيتي عبد الناصر والسادات في فيلمين رغم ما بينهما من اختلافات وأيضا شخصية عبد الحليم حافظ في فيلم «حليم حكاية شعب» والذي سيعرض في وقت قريب.

أما الفنان رياض الخولي الذي جسد عبد الناصر في مسلسل «أم كلثوم» فيقول: ان حياة الزعماء على الشاشة قدوة حسنة تعرف منها الأجيال مدى عظمة هؤلاء الزعماء وما بذلوه لإعلاء شأن الوطن خاصة ان الأجيال الحالية لم تر معظم هؤلاء الزعماء وأتمنى ان تزيد هذه الظاهرة لتشمل كل الرموز السياسية والفكرية والفنية.. وأنا عندما قدمت شخصية عبد الناصر لم ابذل من خلالها مجهودا لان شخصية جمال عبد الناصر قريبة من وجداني فقدمت عبد الناصر من خلال رياض الخولي.

أما خالد الصاوي الذي جسد عبد الناصر فقال: ان زيادة عدد هذه الأعمال يعكس اهتمام الجمهور والفنانين بالسياسة وعودة الوعي السياسي إلى مسرح اهتمامات الإنسان العادي .. فالأحداث السياسية فرضت نفسها أخيرا لذا أصبحت العودة لهؤلاء الزعماء ضرورة للتشبث بهم خاصة بعد التطورات التي أعقبت حرب الخليج الأولى فبدأ اهتمام الفنان بالسياسة ولم نجد أفضل من حياة الزعماء للتعبير عن انتصارات وانكسارات الأمة.. وقد قدمت حياة الزعيم جمال عبد الناصر وكان من أصعب الأدوار في حياتي لذا درست الشخصية جيدا وتابعت كل الأفلام الوثائقية لألم بكل العناصر وحاولت ان اقترب من أفكاره ومشاعره وللأسف الشديد ما زال نظام الرقابة لدينا محاصرا بحدود كثيرة لا يمكن للمبدع تجاوزها.

الفنان احمد عبد العزيز الذي جسد دور السادات في فيلم «حكمت فهمي» علق قائلا: عندما شرعت في تقديم هذه الشخصية كان هناك من سبقني في أكثر من عمل ولكن شجعني على هذا الدور الصعب انه كان في فترة حرجة بالنسبة للسادات لم يعرف عنها احد شيئا وهي الفترة من 1942 ـ 1952 والتي تعد من أهم المراحل في حياته.. فكان الدور بالنسبة لي نوعا من التحدي لان السادات وقتها لم يكن صاحب ذلك الأسلوب المعروف بعد توليه الحكم واعتقد ان تقديم مثل هذه الشخصيات على الشاشة في عمل درامي يثري العملية الإبداعية فهي بمثابة تأريخ لفترات عايشتها مصر في جميع النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية لنستوعب منها دروسا مستفادة. ولا بد عندما نتحدث عن الزعماء ألا نغفل دور الرقابة التي سمحت بتقديم هذه النماذج المضيئة ومنحت هامشا إبداعيا ليعرض فيه المبدع وجهة نظره.. وحاليا أجسد شخصية الإمام محمد عبده في عمل فني جديد. أما الفنان حسن كامي الذي جسد عددا من الشخصيات الشهيرة آخرها الملك فاروق فيؤكد انه لا بد من فتح هذا الباب بقوة لإبراز القادة والزعماء ليس في مجال السياسة فحسب ولكن أيضا في جميع المجالات. ففي مسلسل قاسم أمين شاهدنا الزعيم الوطني مصطفى كامل والخديوي عباس الثاني الذي تغير مفهومنا عنه بعد العمل .. وقد جسدت شخصية اللورد كرومر الذي حكم مصر لمدة تزيد عن 23 عاما وكان يحب مصر بطريقته الخاصة التي تجمع بين حبه لبريطانيا العظمى وطموحاته الشخصية.. وما زلنا بحاجة لقديم مثل هذه النماذج ونجاح تلك الأعمال التي تتناول حياة المشاهير دافع قوي لتقديم المزيد منها وهذا هو دور الفن التنويري ..وإذا كنت قدمت عددا من الشخصيات الشهيرة مثل الملك فاروق واللورد كرومر وتشرشل.. فكنت لا اكتفي بالسيناريو المكتوب بل كنت ابحث عن كل ما كتب عن تلك الشخصيات واقرأه بجانب بعض المواد الوثائقية والتسجيلية التي كنت أستطيع الحصول عليها لمشاهدتها.

السيناريست مصطفى محرم يؤكد ان من أسباب انتشار تلك الظاهرة هو ظهور الكتب والمذكرات التي أغرقت الساحة لفترة طويلة.. ولقد تعودنا ان نهاجم الزعماء بعد موتهم وهذا أسلوب غير ديمقراطي إلى حد كبير.

لكن المخرجة إنعام محمد علي التي أخرجت «أم كلثوم» و«قاسم أمين» وبما حولهما من رموز شهيرة من رجالات السياسة والفكر والأدب وتستعد الآن لإخراج مسلسل «النهر الخالد».. قالت ان نجاح مثل هذه الأعمال التي تتناول حياة المشاهير يعود إلى ضرورة ان يتم تناول حياة تلك الشخصية بموضوعية شديدة خاصة إذا كان الزعيم ماثلا في الذهن وينتمي للتاريخ الحديث وأصدقاؤه متواجدون على قيد الحياة فسيكونون شهداء على العصر وهم لجنة تحكيم لا ترحم.. وبالتالي لا بد من توخي الحذر والحيطة والدقة سواء عند اختيار الممثل أو جمع المعلومات عن أسلوب الزعيم في الحركة وطريقة التفكير وكل التفاصيل الأخرى.. فاختيار الفنان يجب ان يكون للأكثر شبها بالزعيم .. وأما الصفات الشخصية فيقوم بتقريبها الماكياج والملابس بجانب المناخ العام للعصر الذي يشكله الديكور والمناظر الخارجية حتى يقتنع المشاهد بهذه المواصفات.. وعندما قدمت الزعيم جمال عبد الناصر في مسلسل «أم كلثوم» لم تتدخل الرقابة في العمل باستثناء حذف بعض اللقطات التسجيلية لتنحي عبد الناصر وردود فعل الناس ثم بعض لقطات جنازة عبد الناصر.