«دود الخل» للبناني جو بو عيد يعبر عن «القرف العربي المعمم»

لفت الأنظار في مهرجان طنجة للفيلم المتوسطي القصير

TT

صفق الجمهور المغربي الحاضر في عروض مهرجان طنجة للفيلم القصير المتوسطي، طويلا للفيلم اللبناني «دود الخل» ولمخرجه يوسف جو بوعيد، ولممثلته الرئيسية مي سحاب. ذلك ان النقاش، الذي افتتح بعد عرض الفيلم انصب على الرسالة السياسية الواضحة التي حاول الشريط ايصالها، والتي مست المتفرجين بسبب جمعها بين البلاغة والبساطة، والبعد الرمزي الساخر والصادم في نفس الوقت.

ورغم أن هذا العمل يعالج قضية الانسجام بين المكونات المختلفة لمجتمع مثل لبنان، فانه يعيد المشاهد الى أجواء المحاكمات الكافكاوية العبثية لواقع عربي يتجاوز السوريالية بغرابته.

ولعل سعي الفيلم للتعبير عن هذا الواقع على المستوى الرمزي، هو الذي مكنه من لفت الانتباه اليه في طنجة المغربية. وتتمحور الوقائع التي يحكيها المخرج بوعيد حول مشاكل التعايش بين سكان احدى العمارات التي تتضمن جيرانا مختلفي الملل والنحل، ويحتل شخص أجنبي احدى شققها دافعا المرأة التي تقطن بها لطلب اللجوء الى منزل الجيران. والحبكة تنتظم كلها في اطار محاكمة عبثية غريبة وغنية بالرموز تلخص المشاكل الحدودية والاجتماعية والوجودية للعرب، قبل أن تفضي الى حكم لا يقدم شيئا ولا يؤخره، والى الاستيقاظ من حلم نكتشف أنه كان كابوسا جماعيا، كابوس يعكس حسب المخرج جو بوعيد، الذي درس السينما في الجامعة اليسوعية ببيروت «حالة القرف المعمم من الواقع العربي، الذي يزعجنا، والذي نعبر عنه بفرش المشاكل اللبنانية على بلاتوه التصوير».

على أن تميز الفيلم يعود أيضا الى كون وقائعه تدور بأكملها في احدى الغابات المظلمة ليلا، غابة اللاشعور الجماعي التي تكتظ بكل شيء وبجميع المشاهد: حيوانات تتراكض، نساء يطبخن، وآخرون يعملون أو يتفرجون، في حين تتواصل المحاكمة الغريبة على ايقاع مرعب يعطي للفيلم بعدا مسرحيا حيا، يغذيه الحوار بين الدفاع والاتهام والشهود في فضاء واحد ومحدود يحتضن تناقضات لا متناهية. كما يستند هذا العمل إلى حمولة شعرية وأدبية كبيرة وغنية تتجلى في كونه مستوحى، حسب المخرج، من احدى قصائد محمود درويش، اضافة الى انه يوظف أغاني مارسيل خليفة من أجل المساهمة في تصوير الكابوس الجماعي اليومي الذي يعيشه المواطن العربي.

ان خصوصية هذا الفيلم جاءت في الحقيقة من كون بنيته العامة تنتظم على شكل مجموعة من اللوحات الجميلة تكسر كل المسكوت عنه، وتنقل انطباعات وصورا ولوحات لا تخضع لمنطق آخر غير منطق الحلم والتداعي الحر، تاركة للمشاهد فرصة قراءتها وتحليلها بطريقته.