مراسلون إسبان يتحدثون لـ"الشرق الأوسط" عن صعوبات مهمتهم في المغرب

يشتكون من شح الأخبار والمعاناة في الحصول عليها

TT

إذا كان فوز اليمين في فرنسا يفرح المغرب، لأنه يعتقد أن ذلك سيكون عاملا لتقوية العلاقات المغربية ـ الفرنسية، فإن إعلان نتيجة مماثلة في إسبانيا قد يصيبه بالذهول ويدفعه إلى ترقب الأسوأ، فالعلاقات مع إسبانيا لا تبلغ مجدها إلا بعودة الاشتراكيين إلى قصر «لامونكلوا» (مقر الحكومة الإسبانية)، لذلك فإن العلاقات المغربية ـ الإسبانية توصف دائما بـ«الزواج الكاثوليكي المضطرب» الذي تتخلله فترات ازمة وأوقات صلح يخال معها الجميع أن العلاقات بين «الزوجين» ستسير دائما على أحسن ما يرام. ووسط هذا البحر المضطرب من التناقضات التي تحكم العلاقة بين مملكتي مضيق جبل طارق، يقاوم المراسلون الإسبان أمواج السياسة العاتية، محاولين نقل الصور والأحداث عن مظاهرات المعطلين قرب مبنى البرلمان المغربي أو احتجاجات عائلات معتقلي «السلفية الجهادية» أو أطوار محاكمة ندية ياسين، كريمة زعيم جماعة العدل والإحسان الأصولية، شبه المحظورة، أو غيرها من القضايا التي تشرئب نحوها أعناق المغاربة بين الفينة والأخرى، كما أن بعضهم لم ينجح في الدخول في صدام مع أطراف مغربية قادتهم إلى ردهات المحاكم.

ويستقر في المغرب تسعة مراسلين اسبان بشكل دائم إضافة إلى مبعوثين خاصين يتوزعون على التلفزيون (3 مراسلين) والإذاعة (مراسلان) والصحافة المكتوبة (3 مراسلين) إضافة إلى مكتب لوكالة الأنباء الرسمية الإسبانية «إيفي». إنها مهمة صعبة لأكبر «جالية» من سفراء السلطة الرابعة الأجانب الموجودين فوق التراب المغربي. تنفس المراسلون الإسبان بالمغرب الصعداء بعدما انقشعت السحب السوداء التي عكرت سماء العلاقات بين بلادهم والمغرب، فبعضهم قرر مواصلة عمله المعتاد بينما آثر البعض الآخر العودة إلى الضفة الشمالية لمضيق جبل طارق بعدما أصبحت «مشاكل حوادث السير السياسية» التي تقع بين الفينة والأخرى، تحل بسرعة عبر الهواتف الدبلوماسية، شهورا إثر مغادرة اليمين الإسباني للحكم بعد ثمانية أعوام دقت خلالها طبول «الحرب» في المضيق، صيف 2002، بسبب جزيرة «ليلى» التي وصفها كولن باول، وزير الخارجية الأميركي السابق بـ«التافهة».

لم يكن قرار فرناندو ليناريس، المجيء إلى المغرب من أجل شغل منصب مدير مكتب وكالة الأنباء الإسبانية «إيفي» شبيها بتناول فنجان قهوة، فالأكيد أنه أدار لسانه في فمه سبع مرات قبل أن يفوه بقرار الموافقة على إدارة مكتب الوكالة في الرباط، بعدما عمل عدة أعوام مراسلا في روما وباريس. ويقول ليناريس «قرأت أشياء كثيرة عن المغرب وثقافته، لكني اكتشفت أن طريقة رواج الخبر فيه مختلفة عن الكيفية التي عملت بها في باريس وروما، فالمعلومة لا تقطع المسار نفسه الذي اعتدته في فرنسا أو ايطاليا، وربما، اعتاد المراسلون الإسبان العمل بطريقة معينة بدون أية مراقبة على ما يكتبونه أو يقولونه». يشعل ليناريس سيجارة، يمتص دخانها قبل أن يسترسل قائلا «لا أجد حرجا في القول إن هناك مجموعة من الترهات تكتب عن المغرب في اسبانيا، لكن الذين يكتبون مثل هذه الأشياء يستقر أغلبهم في مدريد أو برشلونة. وشخصيا أتابع ما يكتبه المراسلون الإسبان الموجودون في المغرب، وأظن أنها مقالات ومراسلات تحمل نظرة واقعية إلى الأوضاع، لأننا نعرف المغرب، أما المقالات والأخبار التي تخلق جو التوتر بين البلدين، فيكون وراءها صحافيون مقيمون في اسبانيا، وهم يكتبون مثل هذه الأشياء، لأنها ترفع مبيعات الصحف ولها هدف تجاري، على اعتبار أن هناك شريحة واسعة من الرأي العام الإسباني لا تنظر بعين الرضى إلى المغرب».

يعود ليناريس بذاكرته قليلا إلى الوراء واصفا عمله في فترة التوتر بين المغرب وإسبانيا «خلال فترة الأزمة الدبلوماسية كان العمل في وكالة رسمية للأنباء أمرا صعبا للغاية بسبب التوتر والمراقبة من الطرفين المغربي والإسباني، وكل ما أتذكره عن تلك الحقبة هو التوتر والنقد الذي توجهه سفارة المغرب في إسبانيا لأخبار نشرتها وكالة إيفي، وفي الليلة التي وقعت فيها أزمة جزيرة ليلى اجتمع المراسلون الإسبان في المغرب من أجل متابعة التطورات عن كثب، وكنا نشعر أننا إزاء قضية حساسة جدا، خصوصا بالنسبة لوكالة الأنباء الرسمية». يسحب ليناريس من درج مكتبه ملفا يضم مقالات بثتها وكالة الأنباء المغربية متهمة وكالة «إيفي» باتخاذ موقف معاد للمغرب في أحداث الشغب التي عرفتها الصحراء في يونيو(حزيران) الماضي ويعلق بنبرة آسفة «لقد سمحت وكالة الأنباء المغربية لنفسها بأن تكتب عدة مقالات نقدية عن الوكالة التي اعمل بها واتهمتها بالتحيز، وأظن أنه شيء مريع أن تكتب عنا وكالة الأنباء الرسمية المغربية مثل هذه الأشياء»، مضيفا بالنبرة نفسها «العمل الذي نقوم به في وكالة الأنباء الاسبانية ليس سهلا البتة، لأننا نعالج ملفات حساسة تهم الرأي العام الإسباني مثل الصحراء، وموضوع سبتة ومليلية، وعملنا يتطلب منا تغطية ما يقع في الصحراء، وهو ما يفرض علينا عدم الانزلاق وراء مصدر واحد، لذلك يبدو لي أن أهم شيء في هذا البلد هو امتلاك أجندة مليئة بأرقام هواتف مصادر متعددة قصد الاتصال بها للاستعلام عن أي موضوع».

يشعل ليناريس سيجارة ثانية، ثم يضيف «إنه عمل صعب جدا، لأننا نشعر بوجودنا تحت الضغط والمراقبة فنحن نتعرض للتقريع، كلما كتبنا أشياء لا تلقى الإعجاب، إذ نتعرض لنقد وكالة الأنباء الرسمية المغربية، فكل ما قمنا به إزاء أحداث العيون هو إخبار الإسبان بما وقع مثلما أخبرتهم وكالات أنباء أخرى، وبالتالي، فلا معنى لأن يتم انتقادنا، وأظن أن هذه الأمور بالغة التعقيد».

يكتسي العمل في وكالة أنباء رسمية حساسية خاصة، لكنه رغم ذلك يوفر حماية للمراسل، فمهمته تقتصر على إعطاء الخبر دون السقوط في شراك التعليق، وهذا ما يشرحه ليناريس قائلا «شخصيا لا أعاني مشكلة كبيرة، لأنني أشتغل لصالح وكالة أنباء رسمية، وبالتالي فإنني أقتصر على نشر الخبر دون إعطاء رأيي، فنحن وكالة أنباء مهمتها بيع الأخبار لوسائل الإعلام، وهذا ما يضعنا في منافسة وكالات أنباء أخرى، ولكي نجد لنا مكانا على صفحات الصحف الإسبانية يجب أن يكون الموضوع الذي نكتبه مثيرا. فبالأمس أرسلنا مقالا عن الدخول المدرسي في المغرب ومستويات الأمية وتمدرس الأطفال، وهي مادة إعلامية مهمة بالنسبة إلي، لأنني سافرت عبر المغرب وشاهدت الأطفال يقطعون الكيلومترات من أجل الوصول إلى المدرسة، لكن عندما قرأت قصاصات مما كتبته الصحف الإسبانية لم أجد أية إشارة إليه، وربما سيصدر في ملحق للتربية والتعليم أو في بعض الصحف، لكن الموضوع لم يلفت انتباه أحد، عكس بعض المواضيع الأخرى».

يغير ليناريس لهجته ليضيف «القول إننا مصدر الأزمة بين المغرب وإسبانيا غير صحيح ومجرد أمر عبثي، لأن المشاكل كانت موجودة بين البلدين حتى قبل مجيئنا إلى المغرب. وبصراحة أظن أن هذا الأمر لا يجب أن نوليه أهمية كبرى، وان لا تعطى لنا أهمية أكبر مما هي في الواقع، فقد تعرضنا لهجمات قوية خلال الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، والذين يمكن أن يتسببوا في الأزمة صحافيون يعملون في مدريد ولا يعرفون واقع البلد، وعندما نحاول أن نقوم بعمل جيد دون الانحياز لكلا الطرفين، فإنهم يتهموننا بالجاسوسية أو التعامل مع أجهزة الاستخبارات». وغير بعيد عن مقر البرلمان، في شارع محمد الخامس بالعاصمة المغربية، يقع مكتب تلفزيون «كنال سور أندلوثيا» الذي تديره أنتونيا موريو رودريغيث التي تقول بلكنة أندلسية واضحة، « كانت فرنسا منذ عدة قرون الجار المهم بالنسبة لإسبانيا، لكن إقليم الأندلس اعتبر المغرب جاره الأقرب إلينا، وبحكم انتمائي إلى اقليم الأندلس، فقد كان المغرب هو الأقرب إلي، كما أن قناة (كنال سور) كانت أول من فتح مكتبا لها في المغرب من أجل تغطية الأحداث التي تهم المغرب وإسبانيا. وكما يحدث دائما، فهناك بين الجيران أشياء ايجابية وأخرى سلبية، مما يفرض على وسائل الإعلام المغربية والإسبانية التطرق إلى المشاكل عوض التركيز على الإيجابيات فقط».

وتضيف أنطونيا بابتسامة تدل على شخصية مرحة «بالكاد يتعرف الرأي العام في اسبانيا على ما تكتبه الصحف المغربية أو ما تبثه وسائل الإعلام المغربية، أما في إسبانيا فهناك الآن وسائل إعلام مملوكة من طرف بعض ذوي السلطة الذين يستخدمون العلاقات المغربية ـ الإسبانية ورقة من أجل تصفية حسابات سياسية داخلية، وما تردده وسائل الإعلام هاته يلقى تتبعا في المغرب ويخلف وقعا سلبيا لدى الرأي العام المغربي».

وتشرح أنطونيا مهمتها في مكتب قناة كنال سور قائلة «مهمتي في المغرب تقتصر على سرد ما يقع في هذا البلد، وبخصوص ملف الصحراء، هناك الأخبار الواردة من مخيمات تندوف (جنوب غربي الجزائر) و الواردة من اسبانيا التي توجد بها مجموعة من الجمعيات المساندة للبوليساريو، وأنا لا أشتغل على كل هذا، بل ابعث أخبارا عما يجري هنا فقط مثل إطلاق سراح الأسرى المغاربة من تندوف. نبعث الصور إلى مقر التلفزيون المركزي في اشبيلية، ومعياري في اختيار الأخبار التي أرسلها هي الأهمية التي يمكن أن تشكلها بالنسبة إلى المشاهد الإسباني في اقليم الأندلس، لأن هناك من يدعمون جبهة البوليساريو وآخرين يجهلون كل شيء عن قضية الصحراء، وبالتالي فمهمتي تكمن في التعريف بهذه القضية وشرح دور اسبانيا في النزاع، خصوصا أننا نعرف أهميتها بالنسبة إلى المغاربة»، وتضيف أنطونيا «نلتقي كثيرا المسؤولين المغاربة، ويتابعون ما نبثه من أخبار، خصوصا المتعلقة بالقضايا الحساسة، لكنهم ينزعجون لأدنى شيء لا يروقهم، وهذا ما يلفت انتباهي». وفي مقهى «باليما»، في قلب العاصمة المغربية، كانت كارلا فيبلا، مراسلة صحيفة «لا فنغوراديا» وإذاعة «كادينا سير» الشهيرة باسبانيا، ترتشف قهوة الصباح، بعدما عاشت فصول تقلبات المناخ بين البلدين مستفيدة في تدبير أمورها من تجربة إعلامية في القاهرة أثناء عملها مراسلة لعدة صحف اسبانية قبل أن تغرم بالثقافة العربية لتطلق على ابنتها الوحيدة اسم «ليلى»، التي ولدت قبيل اندلاع أزمة جزيرة «ليلى» بين المغرب وإسبانيا. وتقول كارلا «تجربتي الشخصية جيدة في المغرب، وكانت المشاكل التي رافقت عملي كمراسلة في المغرب مرتبطة بملف الهجرة السرية والتحقيقات التي أجريتها في شمال المغرب بعيد تفجيرات 11 مارس (آذار) بمدريد، عبر تتبع مسار الأشخاص الذين تورطوا في هذه التفجيرات، أما في باقي المواضيع فلم أتعرض إلى أية مضايقة»، وتسترسل كارلا قائلة «إن المؤتمرات الصحافية قليلة في المغرب، مما يتطلب من المراسل الصحافي أن يبذل مجهودا أكبر عبر تنظيم لقاءات مع مصادر الخبر، كما أن الوضع في المغرب يفرض علينا التأكد من المعلومة عبر الاتصال بعدة مصادر مختلفة». تتوقف كارلا قليلا لتنظر إلى الشارع، في محاولة لاستجماع أفكارها، قبل أن تردف «بالنسبة للمواطن الإسباني، فإنه علينا أن نشرح له كيف يعمل النظام السياسي في المغرب، لأنه مختلف عن النظام في إسبانيا. وشخصيا يعجبني هذا البلد، وأريده أن يتقدم، وبالتالي أعتقد أن النقد، في حالة وجود اصلاحات، أمر ايجابي».

وتعلق كارلا، على اتهام المراسلين الإسبان بخلق القلاقل «أظن أن وسائل الإعلام في اسبانيا تتمتع باستقلالية، ورغم أن الصحيفة التي أراسلها مقربة من أحد الأحزاب السياسية في اسبانيا وتملك توجها ايديولوجيا، إن صح التعبير، لكني أفضل البقاء على هامش هذه المسائل والعمل بتجرد. وأعتقد أن المراسل يمكن أن يقوم بذلك، هذا رغم أنهم يمكن أن يعطوا أهمية أكبر لمقال ما أو يحجموا آخر أو يغيروا العنوان، لكن نبقى مع ذلك متمتعين بهامش حرية مهم».