رأفت الميهي يغرق في بحر «الفانتازيا»

TT

المرونة هي التي تمنح الفنان عمراً أطول مع الزمن. المرونة هي القدرة على ألا تستسلم إلى قالب محدد أو فكر لا يتغير لأنك إذا لم تتغير وتشعر باحساس الناس سوف تجد نفسك وقد أصبحت أسيراً لقضبان أنت صانعها وأنت السجين والسجان في نفس الوقت. وهذا هو مايعيشه بالضبط المخرج والكاتب رأفت الميهي في أفلامه الأخيرة حيث لم يعد لديه الجديد الذي يضيفه ولهذا يبدو في حالة اجترار للماضي الذي كان جميلاً ومشرقاً. فلقد كانت لدى الميهي القدرة على أن يقدم أفلاماً تجمع بين إشادة النقاد والاقبال الجماهيري مثل «الأفوكاتو»، «السادة الرجال»، «سيداتي سادتي» ثم رائعته السينمائية «للحب قصة أخيرة» والذي يعتبر واحداً من أفضل الأفلام مصرياً وعربياً. كان الميهي واحدا من المخرجين العرب الذين اختاروا قالب ـ الفنتازيا (الجنوح في الخيال) ليعبّروا به عن أفكارهم وليَعْبروا به أيضاً أي معوقات رقابية! حيث أن هذا القالب بتجاوزه الواقع يسمح بمساحة أكبر من الانتقاد. ولا ننسى بالطبع أنه منذ أكثر من خمسة عشر عاماً وقف رأفت الميهي ومعه عادل امام بطل «الأفوكاتو» في قفص الاتهام وحصل على حكم بالحبس ـ أول درجة ـ لمدة عام ثم حصل على البراءة في الاستئناف.

كان الميهي جريئاً في انتقاده، يتجاوز المسموح، وكان أيضاً ممتعاً، ومع الزمن وتكرار الأفلام احتفظ بالجرأة وفقد المتعة مثل فيلمه «قليل من الحب كثير من العنف» ثم بعد ذلك افتقد الجرأة والمتعة معاً في أفلامه الأخيرة مثل «ست الستات» و«تفاحة»، وجاء فيلمه الأخير «علشان ربنا يحبك» الذي دفع فيه بأربعة من الوجوه الجديدة ربما خفضاً للتكاليف وربما أيضاً استجابة إلى السوق الذي أصبح يفضل الاستعانة بالوجوه الجديدة بدلاً من الوجوه المألوفة.

جاء الفيلم ممعناً في افتقاده للجرأة والمتعة . وقع اختيار رأفت على كل من أحمد رزق وداليا البحيري وجيهان راتب ولؤي عمران. يناقش رأفت في الفيلم الزواج وجدواه ومشاكله وينتهي إلى أن الزواج هو المشكلة وسواء تزوجت عن حب أو عن مصلحة، فان المأزق في الحالتين واحد وهو أن السعادة الزوجية مستحيلة مهما تهيأت الظروف.

ويلجأ الميهي إلى أن يضع أبطاله في أكثر من اختبار ولهذا فإن أحمد رزق يحاول أن يخنق زوجته داليا البحيري وهي في نفس الوقت تحاول أن تدس له السم في العسل. وبينما داليا تحب لؤي عمران فإن زوجة لؤي تعمل طبيبة نفسية وتسعى أيضاً للتخلص من زوجها ولهذا فان جيهان راتب التي تلعب هذا الدور تحاول التخلص منه بينما يسعى هو للتخلص منها. وتقرر داليا ولؤي أن يقدم كل منهما زوجها وزوجته للآخر ليقعا في الحب وبعد ذلك يتم الطلاق ويرتاح كل من الفريقين وتوتة توته. كان السيناريو الذي كتبه رأفت الميهي بحاجة إلى قدر أكبر من المواقف الممتعة لكنه جاء تقليدياً ويبدو فيلماً عجوزاً ـ كسيح الخيال!! قدم الميهي شخصية قارئ الطالع التي لعبها محمود البزاوي ومساعدته هالة توكل وكان النبض العام الذي أراده كاتب الفيلم هو ترديد للجوقة في المسرح الاغريقي القديم.

لا توجد في الفيلم امكانيات مادية تساعد على أن يخلق الديكور عالماً موازياً مثل الذي كان يحققه الميهي في أفلامه الأولى وهناك أيضاً قدر من الاستسهال في التفكير السينمائي وقدراً من الاستظراف انعكس على كل فريق الممثلين، وحتى الوجه الجديد أحمد رزق الذي حقق قدراً من اللمعان في أول بطولة مشتركة له في فيلم «فيلم ثقافي» افتقد الأرض التي كسبها لأن لا المواقف ولا الحوار ساعدته على أن يضيف أي شيء، ولم يستطع الميهي أيضاً أن يدفع بأبطاله الجدد مثل داليا البحيري وجيهان راتب ولؤي عمران أي خطوات إلا إذا كانت خطوات فقط للخلف. ربما أفلتت جيهان راتب التي عليها إذا أرادت الاستمرار أن تعتبر أنها لم تبدأ بعد الخطوة الأولى. لم أجد لكاميرا أحمد عبد العزيز أي إضافة بالاضاءة ولم تلعب موسيقى تامر كروان دورها في خلق حالة من السخرية ولا ديكور محمد الدفراوي كانت لديه أي امكانيات لا في الفكر ولا في المادة.

«علشان ربنا يحبك» يحمل في داخله انذاراً لمخرج وكاتب لا يريد أن يرى أفلامه الأخيرة بعين محايدة لأنه لو فعل ذلك لاكتشف على الفور أنه قد أصبح مثل شاعر كتب خمس قصائد من نفس البحر وبنفس القافيه وكانت قصائد رائعة ثم كتب خمسة أخرى ملتزماً أيضاً بنفس البحر والقافية فوجد نفسه يكرر المفردات والأفكار والتشبيهات ولهذا فإن عليه أن يغير من البحر الذي يسبح سينمائياً فيه وذلك قبل أن يغرق فيه!