عمر نعيم مخرج عربي الأصل يقتحم الشاشة الفضية الأميركية

فاجأه روبين وليامز بقبوله دور البطولة في فيلمه الأول

TT

أفلام الخيال العلمي هي الأفلام التي تتناول بطريقة روائية خيالية الاكتشافات والاختراعات العلمية، كما تتنبأ بها وتعالج طريقة استخدامها سلبا وايجابا، وغالبا ما تدور معظم أحداثها في المستقبل، وتستفيد هذه الأفلام استفادة حقيقية من التطورات العلمية والتكنولوجية السريعة في مختلف المجالات مثل علوم الكومبيوتر والإلكترونيات والهندسة الوراثية والروبوتات والذكاء الصناعي والتقنيات المتناهية الصغر (النانوتكنولوجي) وعلوم الفضاء، لهذا فإن هذه النوعية من الأفلام تحتاج الى مؤلف ومخرج واع متابع لكل ما هو جديد في العلم والتكنولوجيا ويصوغ ذلك دراميا بشكل مشوق وجذاب ومقنع للجمهور، وتمتاز هذه الأفلام بأنها تهيئ الانسان وتعده للعيش في عالم المستقبل، كما تحذره مما سيؤول اليه مستقبل البشرية.

ويعد المخرج الشاب المتميز والواعد الأميركي اللبناني الأصل، الأردني المولد، عمر نعيم ـ المولود في عمان في 27 سبتمبر (أيلول) عام 1977، في بيئة ثقافية مبدعة، فوالده الاعلامي الأردني الكبير عمر نعيم ووالدته المخرجة المسرحية اللبنانية القديرة نضال الأشقر ـ من المخرجين العرب القادمين بقوة في هوليوود، وبخاصة بعد أن أطلق فيلمه الأول في الخيال العلمي بعنوان «المونتاج الأخير» The Final Cut في العام الماضي، الذي لاقى نجاحا كبيرا، ويقوم على قصة من الخيال العلمي كتبها بنفسه، وتجسد فكرة جيل من البشر تزرع في مخه رقائق إلكترونية تقوم بتسجيل جميع تفاصيل حياتهم بالصوت والصورة منذ الميلاد وحتى الوفاة. وايضا يعالج فكرة التواصل بين البشر وكيفية التفاعل وادراك الذات. وقد استطاع المخرج عمر نعيم صياغة هذه الأفكار الخيالية في سيناريو الفيلم بأسلوب جذاب وشيق، وأعطانا من خلالها العديد من المفاجآت، كما استطاع أن يقدم لنا فيلما كبيرا وبخاصة عند قيام النجم الأميركي العالمي روبين ويليامز Robin Williams بدور البطولة في هذا الفيلم، الذي يقوم بدور «المحرر» الذي يجري التعديلات الأخيرة لصالح عملائه على تاريخهم المسجل على الرقائق الإلكترونية التي تحمل أدق تفاصيل حياتهم. وجدير بالذكر أن المخرج الأميركي العربي الأصل عمر نعيم، سوف يتم تكريمه في احتفالية خاصة بعنوان «نجوم عربية لمعوا في سماء العالمية»، ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، في دورته التاسعة والعشرين، الذي سيقام في الفترة من 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري وحتى 9 ديسمبر (كانون الاول) القادم. وحول فيلمه «المونتاج الأخير»، وسينما الخيال العلمي وقيمتها وأهميتها لعالمنا العربي، وموضوعات أخرى، كان لـ «الشرق الأوسط» هذا الحوار الخاص معه في أتلانتا (ولاية جورجيا الأميركية) قبل سفره للقاهرة لتكريمه:

> نود في البداية أن تحدثنا عن الفكرة العلمية وراء فيلمك «المونتاج الأخير»؟

ـ أولا أنا أتبنى الخيال العلمي على أنه استعارة metaphor، وليس على أنه محاولة للتنبؤ بالمستقبل، ولهذا السبب كان الغرض من استخدام التكنولوجيا في الفيلم هو استكشاف أحوال البشر، وانها امتداد للسينما والتلفزيون، وكيف استطاعا أن يغيرا مفهومنا عن العالم الذي يحيط بنا وايضا ادراكنا لحياتنا ذاتها. والفيلم يقوم على قصة من الخيال العلمي تجسد فكرة جيل من البشر تزرع في أجسادهم رقائق إلكترونية تقوم بتسجيل جميع تفاصيل حياتهم منذ ولادتهم وحتى اليوم الأخير من حياتهم، فالشريحة الإلكترونية «زوي» Zoe implant، التي استخدمت في الفيلم، هي في أغلبها عضوية تربط الأنسجة الحية بالإلكترونات، وهذا هو الاتجاه الذي يسير فيه العلم الآن، وانه لمن المنطق أن تعمل هذه الآلات بكهربية الجسم البشري.

> من ألهمك بفكرة كتابة قصة الفيلم؟

ـ فكرة الفيلم كانت لدي عندما كنت أقوم بتحرير فيلم وثائقي قصير عام 1999 بعنوان «المسرح الكبير: حكاية بيروت» Grand Theater: A Tale of Beirut، ويتحدث عن الذاكرة والحرب الأهلية اللبنانية، وكنت مهتما كثيرا بكيفية تغيير المعنى في نص مقابلة عن طريق التحرير Editing، كما كنت أفكر في طرق لحفظ ذكرياتي عن أهلي الذين افتقدتهم في لبنان، وذلك عن طريق رسم صور ذهنية. وكنت أيضا مهتما بوسائل الاعلام وتطورها ومدى تأثيرها الفعال علينا، ويبدو هنا واضحا تأثير عالم اللغة الأميركي الشهير نعوم تشومسكي Noam Chomsky، الذي تستخدم نظرياته اللغوية بكثرة في علوم الاتصالات والحاسب الآلي. ووجدت في هذه الفكرة فرصة للتحدث عن العلاقة بين الفيلم والمجتمع والذاكرة، ويحاول الفيلم الاجابة عن سؤال أكثر أهمية وهو: ماذا لو اكتشفت أن الحادثة التي شكلت حياتك لم تحدث في الواقع؟.

> وماذا كان شعورك عند موافقة النجم العالمي روبين ويليامز على بطولة الفيلم؟ وهل لك أن تحدثنا عن طبيعة العمل معه؟

ـ عندما وافق روبين ويليامز على القيام ببطولة الفيلم، سعدت جدا، لم تسعني الدنيا من الفرح، لم أكن أصدق هذا. تقابلنا وناقشنا الفيلم معا، ولاحظت أن قصة الفيلم ترتبط به شخصيا. كما أن وجود روبين ويليامز جعل كل شيء يتم بسرعة غير عادية، طاقم الفيلم من ممثلين وممثلات وفنيين تألف بسرعة، ووضع جدول المواعيد المحددة للتصوير. كل شيء في الاستوديو أصبح ميسرا لي كمخرج لأول مرة أقوم بإخراج فيلم بهذا الحجم. لقد تعلمت منه الكثير: الإخلاص للمهنة، الاهتمام بكل التفاصيل، واحترام كل فرد يسهم بشكل أو بآخر في صناعة أي فيلم.

> هل لديك تجارب أخرى في الكتابة والاخراج السينمائي غير فيلم «المونتاج الأخير»؟ ـ لقد مارست الكتابة بشكل أو بآخر منذ كنت في الحادية عشرة من عمري. عملت أفلاما قصيرة أثناء دراستي بالمدرسة، لكن لم يصل أحد منها الى مستوى الفيلم بالمعنى المعروف قبل فيلم «المونتاج الأخير». رغم هذا حاولت جاهدا اعداد نفسي لخوض التجربة. وأيضا عملت مصورا سينمائيا، ومحررا، وفني اضاءة، ومسجل صوت، وكل هذه من الامور التي لا بد للمخرج معرفتها.

> لمن تقرأ من كتاب الخيال العلمي؟

ـ من كتاب الخيال العلمي المفضلين لدي الأرجنتيني جورج لويس بورجيس Jorge Luis Borges، والأميركي فيليب ك. ديك Philip K. Dick، ومن بين أعمال الخيال العلمي المفضلة لدي أيضا Enders Game and Speaker for the Dead للأميركي أورسون اسكوت كاردOrson Scott Card، ورواية The Left Hand of Darkness للأميركية أورسولا لوجوين Ursula LeGuin، ورواية Cat"s Cradle للأميركي كيرت فينجوت Kurt Vonnegut، ورواية Brave New World للبريطاني ألدوس هكسلي Aldous Huxley، ورواية More than Human للأميركي ثيودور سترجيون Theodore Sturgeon، ورواية 1984 للبريطاني جورج أورويل George Orwell، ورواية The Martian Chronicles للأميركي راي برادبوري Ray Bradbury، ورواية The Demolished Man للأميركي ألفرد بيستر Alfred Bester، كما أنني أيضا أحب كل شيء للكاتب البريطاني الآن مورAlan Moore .

> منذ متى قررت أن تدخل مجال صناعة السينما؟ ولماذا الخيال العلمي بالذات؟

ـ عندما كنت في فترة المراهقة، وقعت في حب السينما، وقررت ثم أردت أن أكون مخرجا سينمائيا. منذ ذلك الوقت وأنا أسعى جاهدا لتحقيق هذا الحلم دون توقف، والأفلام التي أحببتها في البداية لم تكن خيالا علميا، بل أعمال المخرجين أمثال مارتن سكورسيزي Martin Scorsese، وودي الان Woody Allen، وفرانسيس كوبولا Francis Coppola، لكن ما حدث هو أنني كتبت أول أفلامي (خيال علمي) بالصدفة، وأحببت هذا النوع الأدبي، لكنني شعرت أنه لم يعامل كما ينبغي في السينما، حيث يستخدم كأداة لأفلام الحركة.

> هل ترى أن هناك علاقة بين اتجاهات العلم والتكنولوجيا اليوم وسينما الخيال العلمي؟

بالطبع، دائما توجد علاقة تبادلية بين الخيال العلمي والعلم الواقعي، فالكثير من الاختراعات والاكتشافات والمفاهيم العلمية اليوم قد تناولتها وتنبأت بها أعمال الخيال العلمي، على سبيل المثال تكنولوجيا الإنترنت ترجع الى روايات خيالية في الخمسينات والستينات، وكذلك تكنولوجيا الروبوتات ظهرت أولا في أعمال الخيال العلمي، كما أن أعمال الخيال العلمي مثل سلسلة «حرب النجوم»، و«ستار تريك»، أصبحت علما، حيث تقدم للمشاهد العديد من المفاهيم العلمية والتكنولوجية المهمة بصورة مشوقة وجذابة.

> لماذا تحقق أفلام الخيال العلمي شعبية ونجاحا كبيرا في الغرب، بينما في عالمنا العربي لا يزال انتاج مثل هذه الأفلام غير مألوف؟

ـ الخيال العلمي جنس أدبي ثائر، وهذه الثورة لا يرحب بها دائما في عالمنا العربي، فكتاب الخيال العلمي، الأميركيون كتبوا عن موضوعات مثل الجنس، والحرب في فيتنام، والمخدرات، وغيرها. أتمنى أن أرى بعض أعمال خيال علمي عربية، تتعامل مع قضايا ومشكلات المجتمع مثل الفقر، والتغيير، وكيفية معالجة الفساد، كما تتناول أيضا الثورة العلمية والتكنولوجية الحالية وانعكاساتها المستقبلية.