«الأجنحة المتكسرة» فيلم أفسدته نهايته السحرية

يطرح قضية الطفولة من زاوية القدر والصدفة

TT

ما هي الحدود بين الفيلم الاجتماعي التحليلي والحكاية الساذجة التي تنتهي بالحل السحري السعيد على شاكلة ما كانت ترويه الجدات لأحفادهن؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه المتفرج على نفسه بعد الانتهاء من مشاهدة شريط «الأجنحة المتكسرة» لعبد المجيد رشيش.

فالبعد الاجتماعي الذي رآه البعض في مشاهد الطفولة التعيسة والمشردة تنسفه البنية السردية المفرطة في خطيتها وفي تقليديتها. واذا كان العمل يطرح قضية الطفولة فانه يفعل ذلك من زاوية دور القدر والصدفة في تشكيل مسار الفرد في الحياة، من خلال قصة الطفل مهدي، الذي يضل طريقه الى بيته وهو عائد من المدرسة فتلتقطه امرأة متسولة وتفر به من الدار البيضاء الى عدة مدن وقرى مغربية حيث تمارس الاستجداء متخذة من براءة الصغير وسيلة لاستدرار عطف الناس. وإذا كان الفيلم قد سجل بداية قوية وواعدة على المستوى الدرامي من خلال اثارة موضوع استغلال الطفولة، وتمكن الصغير مهدي من لعب دور بطل جوال يسمح له قدره بالتنقل بين مجالات جغرافية واجتماعية متناقضة، فان ما يكسر الوتيرة الدرامية هو التدخل الكبير والحاسم للصدفة التي تجعل بحث أسرته الأصلية عنه يستمر على مقربة منه وينتهي بحل غريب للمشكلة، يتمثل في تحول أخيه الى مصور صحافي والتقاطه صورة أخيه ثم نقلها الى الأب المكلوم الذي سيتعرف بواسطتها على ملامح ابنه المفقود قبل 17 سنة. هذا التدخل يكسر التوجه الى التحليل ويبسط الأمور الى درجة كبيرة تقسم العالم الى أخيار وأشرار وتنتهي طبعا بانتصار الخير.

وهكذا يكتسي الفيلم طابع الحكاية البسيطة عندما يترجم بنيتها الدائرية، ويفقد بالتالي كثافته الدرامية وقوة تأثيره، رغم أن به كثيرا من مقومات النجاح مثل التشخيص الجيد من طرف رشيد الوالي وفاطمة خير، والموسيقى التصويرية الجميلة التي وضعها يونس ميكري، اضافة الى جودة التصوير البانورامي لمجموعة متعددة من المناطق المغربية المختلفة خلال ترحال الصبي المخطوف مع المتسولة التي تبنته قسرا. هذا التجوال المستمر سجل نوعا من القدرة على رصد تناقضات الحياة الاجتماعية وتنوعها المبهر من ناحية أساليب وأنماط الحياة عبر مشاهد من مدينة الدار البيضاء ومراكش والبوادي المحيطة بالمدينتين، قبل المرور الى المشاهد البحرية في ميناء البيضاء.

وعبر هذا الترحال يغوص المشاهد في قاع المجتمع برفقة البطل الذي ينشأ برفقة المتسولين والمتشردين والسكارى وباعة السجائر بالتقسيط وأصحاب السوابق ويتعرض للاغتصاب والجوع، وهو القادم من أسرة ميسورة كانت تحيطه قبل واقعة اختطافه بالكثير من الدلال والعطف.

نقطة أخرى تحسب للفيلم تتجلى في اللقطات المنتقاة بعناية قبل أن يسقط العمل، على مستوى المضمون، في نوع من الحلول السهلة لوضعية اجتماعية ونفسية جد معقدة، وتطغى النهاية الوردية على الأحداث التي يتعرف فيها الأب على ابنه بواسطة وشمة صغيرة يتذكر الوالد المفجوع أنها كانت على الكتف الأيمن لابنه المفقود.

وهكذا يمكن أن نخلص الى أن الأمر يتعلق بعمل كان من الممكن أن يكون متكاملا، على شاكلة فيلم «قصة وردة» الذي أخرجه المخرج رشيش في 1999، لو لم يفسده السيناريو والتخبط بين بنية الحكاية والرغبة في تحليل وضع اجتماعي معقد ومأساوي. ومرة أخرى تكون نوعية الكتابة وضيق أفق السيناريو وراء تكسر أجنحة هذا العمل السينمائي المغربي الذي وصفه بعض النقاد بـ«حكاية للصغار». ولعل هذا ما جعل سيناريست الفيلم، عبد الاله حمدوشي، يلوم علنا المخرج على تصرفه في السيناريو الأصلي وتغيير معالمه بشكل كبير، اذ يقول، حمدوشي «هناك هوة سحيقة بين السيناريو الذي كتبته والفيلم الذي أنجز، فالمخرج عبد المجيد رشيش تصرف خارج ما كتبت، ولو التزم به لكانت النتيجة أحسن بكثير مما شاهدنا. ورغم ذلك اتمنى ان يلاقي الفيلم نجاحا عند الجمهور لدى عرضه في القاعات».