غياب القضايا العربية عن الدراما التلفزيونية المغربية

بسبب ضعف التواصل الفكري والثقافي

TT

عكست الاعمال التلفزيونية العربية في السنوات الاخيرة اهتماما متزايدا بالشأن السياسي، وطرحت اما بشكل مباشر او ضمني عددا من القضايا السياسية التي ما زالت تتفاعل على الساحة. فمواضيع الارهاب، والصراع العربي الاسرائيلي، والضغوط الخارجية، والإصلاح السياسي، تحولت الى مادة مثيرة لمجموعة من الاعمال الدرامية والكوميدية ايضا، بعد ان كان جلها غارقا فيما هو اجتماعي محلي.

وساهم تدفق القنوات التلفزيونية الاخبارية العربية بشكل اساسي في اعادة الاهتمام القوي بالسياسة الى الشارع العربي، فأصبحت جزءا من انشغالاته اليومية، الا ان المتتبع للاعمال التلفزيونية المغربية يجدها بعيدة تماما عن طرح القضايا العربية ولو بشكل عابر، فما هي اسباب غياب وجهة النظر المغربية في طرح هذه القضايا على المستوى الفني؟

يجيب الممثل المغربي، ادريس الروخ، ان العامل الجغرافي لعب دورا اساسيا في جعل المغرب اكثر قربا لأوروبا منه الى المشرق العربي، وانعكس ذلك على طبيعة المشاكل التي يعيشها، مثل الهجرة وهيمنة اللغة الفرنسية على مختلف مناحي الحياة، فكان هاجس الدراما المغربية هو التخلص من هذا التأثير السلبي من مخلفات الاستعمار، فتوجهت مختلف الاعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية في بداية انطلاقها، الى احداث قطيعة مع الماضي الاستعماري والاقتراب نحو كل ما هو وطني مئة بالمئة. اما حاليا فالمغرب يعيش كما قال، الروخ مرحلة المصالحة مع الذات وطي صفحة انتهاكات حقوق الانسان والاعتقالات السياسية، التي تناولتها اخيرا، مجموعة من الاعمال السينمائية.

ويضيف الروخ ان المغاربة بدأوا بترتيب البيت الداخلي كمرحلة اولى، وهو ما سيؤهلهم في السنوات المقبلة لتبني القضايا العربية في اعمالهم التلفزيونية او السينمائية، مشيرا الى تجربة استثنائية للمخرج المغربي عبد الله المصباحي، الذي يعتبر الوحيد الذي قدم في السنوات الماضية، افلاما سينمائية تتحدث عن القضية الفلسطينية وعن افغانستان ابان الاحتلال السوفياتي، مؤكدا على ان الشارع المغربي يتفاعل كثيرا مع القضايا العربية .

واوضح الروخ وجود نضج ووعي لدى المخرجين والمؤلفين المغاربة بضرورة التفكير في تقديم انتاج تلفزيوني ضخم يناقش القضايا العربية سواء من خلال الانتاج المشترك مع جهات عربية، او من خلال انتاج مغربي صرف، يعبر عن «مواقفنا ووجهات نظرنا حول هذه القضايا». ودعا الروخ المشارقة من جهتهم الى مد جسور تواصل حقيقية مع بلدان المغرب العربي في ميدان الانتاج الدرامي.

من جهته، يرى الممثل المغربي سعد التسولي ان عدم تطرق الدراما المغربية للقضايا العربية، لا علاقة له بالبعد الجغرافي او هو نتيجة لا مبالاة من طرف الشارع المغربي، بل السبب الوحيد برايه، هو عدم وجود سيناريوهات في هذا الاتجاه، معتبرا الامر غير مقصود أو متعمد، وأشار الى ان اهتمامات اغلب الكتاب والمخرجين المغاربة انحصرت في الحديث عن حقبة الاستعمار في المغرب.

واضاف التسولي ان الجمهور المغربي «لا يطالب حاليا سوى بالرفع من مستوى الانتاج التلفزيوني المغربي الذي يقتصر على طرح المشاكل الاجتماعية، وإذا ما تفوقنا في هذا الاتجاه، يمكن المرور بعدها الى اعمال تناقش قضايا ذات بعد عربي. اي ان الامر يتعلق بمراحل يجب الالتزام بها، دون اغفال دور الامكانيات المادية التي اصبحت تفرض نفسها بقوة، وتلعب دورا حاسما في تحديد جودة الاعمال».

اما المخرج السينمائي والتلفزيوني، عبد المجيد رشيش، فيرى ان طرح القضايا السياسية من اختصاص وسائل الاعلام، وليس الاعمال التلفزيونية، لان المواضيع السياسية ظرفية وتتغير معطياتها بسرعة.

واكد الرشيش ان الدراما العربية لم تتطرق الى قضايا سياسية من الحاضر، بل تناولت احداثا تنتمي الى حقب تاريخية مختلفة من التاريخ السياسي العربي.

واوضح الرشيش ان تناول قضية سياسية او مرحلة تاريخية، ليس بالأمر الهين بل يحتاج الى دراسة وتحليل دقيق، لذلك يتجنب اغلب المؤلفين والمخرجين المغاربة التطرق اليها في اعمالهم.

وابرز الرشيش ان غياب القضايا العربية عن الدراما المغربية يعكس جزءا بسيطا من غياب تواصل فكري وثقافي شامل بين المغرب والبلدان العربية. وتساءل: هل المتلقي المغربي سيتفاعل مع هذه الاعمال اذا ما انتجت، ام سيفضل مشاهدة مسلسلات وأفلام تعبر عن مشاكله الذاتية بالدرجة الاولى.

السيناريست والمؤلف، عبد الله ابوجيدة، كان له رأي مخالف حول هذا الموضوع، فالمؤلفون والمخرجون المغاربة برأيه، ليسوا مثقفين، وغير مهتمين حتى بالشأن السياسي المحلي، فما بالك بالشأن العربي العام، واغلب الفنانين المغاربة، كما قال، يبتعدون عن المواضيع السياسية لأنها لا تتلاءم من وجهة نظرهم، مع صورة الفنان الرهيف الاحساس، فهم لا يقرأون ولا يتابعون الاحداث.

واكد ابو جيدة ان الكتابة عن القضايا السياسية الراهنة، يتطلب إلماما دقيقا بها، حيث لا يمكن بناء الاحداث الدرامية لأي عمل تلفزيوني من هذا النوع، انطلاقا من الفراغ او الخيال.

وابرز بدوره اهمية الامكانيات المادية لإنتاج اعمال في مستوى جيد، وأشار في الوقت ذاته الى شروط المنتجين الذين لا يتحمسون للاعمال الجادة بقدر ما يفضلون اعمالا تتضمن قصص الحب والغرام، موجهة بالأساس للاستهلاك الداخلي.