منى طايع: أكتب بإحساسي ولا أنظّر

الكاتبة اللبنانية: لم أتخصص في قضايا المرأة .. ولكن أوظف جرأتي في اختيار موضوعاتي

TT

في الأشهر القليلة الماضية، تمكنت الكاتبة اللبنانية منى طايع من استقطاب اللبنانيين من مختلف المستويات العمرية والفكرية ليشاهدوا أحد اعمالها الدرامية، التي كتبتها قبل 23 سنة أي في عام 1983. انه مسلسل «ابنة المعلم» الذي عرض على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال، وتسمرت أعين المشاهدين عليه مساء كل أحد بفضل عمق موضوعه وبساطة حواره وجمال إطاره وأزيائه وبراعة ممثليه، وفي مقدمهم كارمن لبس وعمَّار شلق. قبله استقطب مسلسل «فاميليا» الذي يجمع بين الاطارين الاجتماعي والكوميدي نسبة عالية جدا من المشاهدين، وكذلك فعل مسلسل «بنات عماتي وبنتي وأنا» الذي كتبته في عام 1991. هذه الكاتبة التي درست التمثيل، اعتزلته منذ سنوات طويلة «بسبب رداءة النصوص التي كانت تعرض علي»، وكتبت في كواليسها العديد من المسلسلات التي صوِّرت أخيرا فنجحت في اختراق «الحظر» الذي وضعه العديد من الشباب والمراهقين على مشاهدة المسلسلات المحلية ذلك أن «القيمين على الانتاج المحلي أخطأوا في اللجوء الى الممثلات المثيرات لتسويق انتاجهم»، كما تقول طايع.

و«الواقعية» التي يلمسها متتبُعو مسلسلات طايع، نابعة من داخلها وهذا ما يمكن ملاحظته لدى اجابتها عن الأسئلة ببضع كلمات خالية من «التفلسف» الذي لا تؤمن به. وربما يصعب التكهن بسرها خصوصا انها أعادت شيئا من المكانة الى الانتاج المحلي ليشاهَد «من دون سخرية»، كما تقول رغم أن موضوعاتها تتمحور على قضايا المرأة.

«ان كنت أملك سرا فلن أفضحه في الصحف»، تجيب ضاحكة في حوار لـ «الشرق الأوسط» في بيروت «ما من سر. انني ببساطة ثائرة وأرفض الافكار والعادات المتوارثة التي اصبحت بالية. ربما هناك ثورة داخلي منذ صغري ولا أعرف على ماذا. أشعر بوجود خلل ما لا اعرف مصدره». وتضيف «أكتب منذ صغري، ولكني احترفت في عام 1983، عندما كان تلفزيون لبنان الرسمي يعاني أزمة نصوص. وحينها تبدلت الادارة ففكرت في الاقدام على هذه الخطوة، خصوصا انني كنت قد ابتعدت عن التمثيل بسبب النصوص الرديئة». لذلك تفرّغت للكتابة من دون أن تفارقها «رغبة تمثيل دور ما في أحد الأيام». وعن المعايير التي تعتمدها في تقويم النصوص الدرامية والسيناريو الجيد، تقول «أولا، على الحوار ان يكون طبيعيا وواقعيا. وثانيا، يجب ان تبنى الشخصيات على اساس متين وهذا ما كانت تفتقده النصوص في تلك الفترة. فكنت أشعر بأن الأدوار مشتتة والبناء الدرامي غير مترابط لذلك فضلت الابتعاد عن التمثيل وبدأت الكتابة، لكن نصوصي لم يحالفها الحظ لتقبل بسرعة».

ونادرا ما تضطر لتعديل النصوص لتتلاءم مع العصر، الا في ما يتعلق بمسلسل «بنات عماتي وبنتي وانا» فقد «أضفت أمورا تتعلق بالخلوي (الهاتف الجوال) وتفاصيل اخرى اخترعت خلال التسعينات. أما مسلسل «ابنة المعلم» فلم اضف اليه شيئا لأن احداثه تدور في حقبة الستينات».

> علام ترتكز طايع في الكتابة وأي تقنية تعتمدها؟

ـ الواقع ان كتابتي حقيقية والدليل ان المشاهد يتفاعل مع الموقف الذي يراه. انني اكتب بإحساسي وعواطفي وأعصابي وبكل شغفي حتى انني خلال الكتابة أكون متفلتة من قيود الزمان والمكان. ولا يوجد قواعد معينة، تحاشيا للفشل، إنني أكتب بإحساسي. طبعا التقنية موجودة لانني اعرف طريقة بناء الشخصية وطريقة تطوّر المشكلة، إنما الأهم انني لا «أنظِّر» ولا أكتب مقالا مباشرا كما يفعل الصحافيون. ولكن إن تعمدت الطريقة المباشرة في توجيه رسالة معينة أنقل ذلك على لسان إحدى شخصيات مسلسلي انما بطريقة سلسة. المشكلة ان الكتَّاب غالبا ما يلجأون الى القضايا الكبرى فتفقد شخصياتهم واقعيتها، وبالتالي لا يتفاعل معها المشاهد.

> الى أي مدى يتقبل المشاهِد الكتابة المباشرة؟

ـ يقبلها، أشعر بأن الناس يتشوقون لمتابعة اعمالي ويتفاعلون مع أبطالي كما حصل مع «مي سلامة» (كارمن لبس) في مسلسل «ابنة المعلم». كما نجحت مسلسلاتي في استقطاب مشاهدين من مختلف المستويات أساتذة جامعات وأطباء وتلامذة وطلاباً وشباباً... وهذا ما حصل أيضا في مسلسل «فاميليا». هذا امر يروقني.

> كيف استطاعت طايع التنقل بنجاح بين المسلسلات الدرامية والكوميدية من دون الوقوع في فخ «التنظير» أو توسّل الابتذال لاستقطاب الشباب؟

ـ الابتذال الذي اعتمد في المسلسلات اللبنانية هو أبعد ما يكون من متطلبات الناس. لا بل ان هذا النوع من الاعمال يكرهه الجمهور، لا سيما اللبناني الذي يتألف أساسا من فئات لا تشمل الشباب، بل العائلة، لذلك ليس مطلوبا الاستعانة بممثلات جميلات او مثيرات لجذب المشاهدين. وهذا ما فات القيمين على هذه الأعمال. وبالنسبة الي، أوظف الجرأة في الموضوعات التي أتطرق اليها، منها تحرر المرأة ومساواتها بالرجل.. كذلك أضفت فئة جديدة الى الجمهور لأنني نجحت في جعل الشباب يتفاعلون مع مسلسلاتي وينظرون الى الانتاج المحلي من دون سخرية. وهذا ما لمسته في مسلسل «بنات عماتي وبنتي وأنا» وخصوصا في «فاميليا» الذي يتناول هموم الشباب ومشكلاتهم الجامعية وصراعهم مع اهلهم. وتستوحي طايع موضوعاتها من خيالها ومن المجتمع أو من مواقف مرّت بها او شهدتها او حتى من كتاب قرأته قبل سنوات وأثر فيها أو برنامج تلفزيوني أو حوار سياسي او فيلم. «ولكن لا أنقل هذه الاحداث كما هي، إنما أستوحي منها وأعدلها، لأتمكن من إضافة شيء ما لأن كل الموضوعات قد عولجت واستهلكت مثل الطمع والحقد والحب. وهذا التأثر طبيعي كوني لا أعيش على القمر، انما في مجتمع أتفاعل معه»، مؤكدة أنها لا تقتبس او تنقل ابدا قصة قرأتها ولا تحب هذا الأمر. «اما إذا قررت الاقتباس فسأقول ذلك علانية، بعكس ما يفعله بعض الكتاب الذين يقتبسون من دون الافصاح عن الامر».

> هل تضيف طايع حلولا الى ما تكتب أم تكتفي برصد الواقع؟

ـ أتجنب طرح الحلول بشكل عام فهذه ليست وظيفتي، انما أحيانا تتطلب بعض المشاهد حلولا لاعتبارات درامية كما يحصل في المسلسل الذي سيصور إن شاء الله في نهاية الصيف، وهو بعنوان «عصر الحريم» أطرح فيه مشكلات المرأة مع بعض الحلول. وهو أول مسلسل كتبته حين كنت في سن العشرين. ويتضمن نماذج من النساء، المطلقة والمتزوجة والشابة غير المؤهلة وطموحات الاخيرة والصراع الذي تعيشه بين التقاليد والتحرر. وهي تدخل بقوة مشكلات المرأة في أعمالها وتؤكد هذا الأمر بقولها: «نعم وتحديدا في «عصر الحريم». وأنا متهمة بصب اهتمامي على المرأة ومشكلاتها في حين أنني لم أبدأ بعد بمعالجة وضعها. ربما هذا الموضوع طرح في الكثير من الكتب انما لا يصل الى الجمهور العريض كما يفعل التلفزيون. فلمَ لا أتخصص في قضايا المرأة؟». فالملاحظ أن المرأة هي دائما الشخصية الرئيسة في كتاباتها وعليها تتمحور باقي الشخصيات والمشكلات، ولا تنفي طايع ذلك وتقول «هذا صحيح، ففي النهاية انا امرأة ولأن أسلوبي «حقيقي»، أكتب ما أشعر به. لا أعرف إذا كنت قادرة على طرح بطل «رجل»، ربما سأفعل يوما ما. يتمتع الرجل بأهمية كبيرة في كتاباتي ولكن من خلال المرأة. فالشائع شائع في النصوص العالمية هو أن الرجل محور القصة والمرأة تكون سندا له، لذا أحببت قلب الآية خصوصا في عالمنا العربي وتحديدا في مسلسل «بنات عماتي»، لأنه نادرا ما تلعب المرأة الدور الرئيسي في عمل كوميدي».

كذلك تركز دوما على طرح دور المرأة المطلقة والأرملة، وذلك لأن هذين النموذجين غنيان بالمشكلات ما يكسب نصها غنى من حيث البعد الدرامي. «ورغم انني لم أتعمد التركيز على المطلقة والأرملة، اردت ببساطة ان أوحي أن حياتهما لا تنتهي بموت الرجل أو بالانفصال عنه، بعكس ما يحصل في مجتمعنا حيث تجديد الحياة أمر في غاية الصعوبة».

وتعد طايع بأنها ستقدم المرأة الضعيفة في عملها الجديد «عصر الحريم»، مضيفة أن هذا النموذج من النساء يزعجها كثيرا «إنها مأساة حياتي. قد اتحمل رؤية طفل أو عجوز يبكي، إنما لا أحتمل رؤية امرأة ضعيفة وحقوقها منتهكة. وهذا ما يبكيني. ويزعجني أنها مجبرة على الخضوع وقبول الإهانة لتحافظ على بيتها. ليس عدلا ان تتحمل هذا العبء بمفردها، فيما الرجل يتصرف بكل انانيته. وهذا شائع في مجتمعاتنا».

وتقول إنها تعكس ذاتها في كل امرأة كتبتها، و«احيانا تظهر شخصيتي في الرجل الذي أوجده، كما أكتب شخصيات أتمنى أن أكونها مثل «مي سلامة» المثابرة الى درجة تقسو على نفسها وعلى المحيطين بها لتحقق الغاية الأسمى. وفي الوقت نفسه، أملك ثورة داخلي. إنني ثائرة. أكره التفاصيل الصغيرة وأعشق القضايا الكبيرة ومَن يعملون لبلوغها من دون مواربة. انني مولعة بأبطال التاريخ لا سيما تشي غيفارا. وربما هذه الأمور تظهر في اعمالي، انما بشكل غير مباشر. ستظهر شخصيتي مع «نايلة» في مسلسل «عصر الحريم» والصراع الذي عشته خلال مراهقتي وفي ما بعد حين رفضت الزواج لأنه «مقبرة الطموح». تحديدا عندما يكره الرجل نجاح المرأة ويريدها ظله». والى جانب قضايا المرأة، تبدي طايع شغفا بالسياسة التي تحب تناولها في مسلسل يعرض هموم الناس الاجتماعية والاقتصادية. «كما أحب طرح فكرة شاب يقاوم العدوّ في الجنوب، وآخر يلهو في المدينة او يتعلم، لأظهر كم أن مجتمعنا تفصل بين فئاته هوة كبيرة، رغم اننا نعيش في مساحة لا تتجاوز 10452 كلم مربع».

وعن قدرتها على كتابة أدوار لشخصيات تكرهها، تقول «استطيع ذلك لأنني اتفاعل مع الدور سلبا أو إيجابا. ولأن شخصياتي ليست سوداء او بيضاء فما من انسان شرير بالمطلق او طيب بالمطلق. أكتب الشخصية ببعدها الحقيقي أي بسيئاتها وحسناتها. فزياد (عمار شلق) في «ابنة المعلم» حقود وعاد لينتقم، لكنني عرضت اسبابه ودوافعه فلم أترك المشاهد يكرهه لا بل تعاطف معه من دون ان يجاريه».

> هل تفضل طايع أحيانا تخفيف حدة شخصياتها لكي يتقبلها المجتمع؟

ـ «أبدا، لبنانيا أعمالي مقبولة لأن مجتمعنا قابل للتطور والانفتاح. أما عربيا، فإذا رفضت مسلسلاتي وتركت علامة استفهام لدى النساء، أقبل». ولكنها لا تحمّل كتابتها دوما رسالة معينة «فالمسلسل الذي يعرض حاليا «غنوجة بيا» يهدف الى التسلية وطرحت فيه بعض المشكلات الاجتماعية البسيطة».

وعمّا إذا كانت تتدخل في اختيار الممثلين، تجيب «نعم وبالتعاون مع المخرج. ونحن متفقان على عدم فرض احدنا ممثلا على الآخر. المهم ان يكون المرشح للتمثيل طبيعيا ولا يهمّ إن درس التمثيل أم لا».

أما عن وضع الدراما في لبنان والعالم العربي فترى انه «كارثة. لست راضية عنه على الصعيد العربي، لكنه على الاقل موجود ويسوّق. أما في لبنان فمن أصل خمس محطات واحدة فقط تنتج. هذا معيب. كانت الدراما اللبنانية في المرتبة الاولى لكنها تراجعت خلال الحرب وبعدها أصبحت رديئة لعدم اختيار النصوص الجيدة فانتفت الثقة العربية بانتاجنا. كما اننا نعاني سوء التسويق وغياب الدعم الحكومي بالاضافة الى ان ممثلينا يفتقدون النجومية». وتنكب حاليا على كتابة مسلسل تاريخي تدور أحداثه ايام الحكم العثماني حتى نيل لبنان استقلاله، «يتناول السياسة انما بمفعول رجعي ويرتكز على قصة رومانسية». كما تحضر جزء ثالثا من مسلسل «فاميليا»، ولا تخشى الوقوع في التكرار إذا فعلت «لأنه واقعي وتدور أحداثه في هذا الزمن، بعكس «ابنة المعلم» الذي رفضت أن اكتب جزءاً ثانيا منه بعدما طلب مني ذلك».