المطربة السورية سهام إبراهيم: «الأغنية الشبابية» اختراع أطلقه تجار الكاسيت

TT

بين مطربات سورية الأوائل، تحتل سهام إبراهيم موقعاً متقدماً، من خلال حضورها البادي على ساحة الغناء العربي، وكان انطلاقها الأول شهادة معلنة من الموسيقار الراحل الكبير سيد مكاوي، عندما استمع إليها مصادفة في دمشق. وقد تألقت في جميع المهرجانات الغنائية المحلية والعربية التي شاركت فيها، وهي في هذا الحوار تعلن رأيها صريحاً في واقع الأغنية العربية، ودور تجار الكاسيت في انتشارها، وفي هبوطها أيضاً.

* نلاحظ اليوم انحسار ما يمكن أن نسميه (أغنية الطرب) على ساحة الغناء العربي لصالح الأغنية الخفيفة، ذات الإيقاع المتسارع والراقص، هل ترين أن هذه ظاهرة صحية تتواءم مع روح العصر وواقع مجتمعنا الاستهلاكي الجديد؟

ـ تتحدث عن الانحسار والساحة الغنائية تزدحم كل يوم بنماذج جديدة وأصوات جديدة لمطربين ومطربات، لدرجة لم تعد فيها مقولة «المطربون اليوم أكثر عدداً من جمهور المستمعين» نكتة متداولة، لقد رحل عمالقة أغنية التطريب، وظهرت آلات موسيقية حديثة تكاد تلغي دور الصوت، ومنها على سبيل المثال «الأورغ»، وأصبحت الأغنية في متناول حتى سهرات الطعام في الفنادق والأندية الليلية، ووجدت تجارة جديدة في هذا الميدان اسمها تجارة الكاسيت «الإذاعي والتلفزيوني والفيديو كليب». وهذا الواقع اوجد نوعاً من الطموحات الفجة لدى أي شاب أو فتاة من الجيل الجديد، يأنس في صوته بعض الحلاوة. وغزا المفهوم الاستهلاكي متجمعنا، وأصبح العالم قرية إلكترونية صغيرة من خلال الستالايت والبث عبر الأقمار الصناعية، والإنترنت، وبدأت المحطات الفضائية التي تبث على مدى أربع وعشرين ساعة، تتطلب المزيد من المواد. وظهرت شركات إنتاجية ضخمة لا تسجل للمطرب أغنية فقط، بل تحتكر صوته لسنوات. هذا كله أحدث نوعاً من الانقلاب الجذري في بنية الأغنية العربية، فمن حيث المبدأ ليس هناك فصل بين الأغنية التطريبية وأغنية الإيقاع السريع، فلكل منهما إيقاعها. وكانت هذه الأخيرة موجودة حتى لدى المطربين الكبار أمثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز وعبد الحليم حافظ، وكنا نسميها الأغنية القصيرة.

المشكلة هي في المستوى العام للأغنية من حيث الكلمات واللحن والأداء، وفي سيطرة تجار الكاسيت الذين يطلقون بعض الأغاني التي تتسم بسمة «الصرعة»، ويطلقون عليها اسم «الأغنية الشبابية»، ويستطيعون الوصول بها، بطريقة أو بأخرى، إلى محطات الإذاعة والتلفزيون الرسمية والخاصة، ومنها الفضائيات، تلك هي المشكلة!

* هذا يعني أن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تساهم في تفاقم هذه المشكلة؟

ـ بالتأكيد، هناك أغنيات هابطة فعلا تنال شعبية معينة في الملاهي والمطاعم، ويغنيها المطربون والمطربات بخصورهم وأقدامهم، وليس بأصواتهم! هذه الأغنيات يجب ألا تصل إلى أجهزة الإعلام وإلى المحطات، إن كانت رسمية أو خاصة، لأنها تؤدي ـ في حال انتشارها ـ إلى تدني الذائقة العامة لدى الناس، وفي هذا خطر على الفن، وعلى الذوق معاً.

* مطربات سورية الثلاث: ميادة الحناوي، أصالة، وربى الجمال، لا يغنين إلا باللهجة المصرية، في حين تقدمين أنت أغنيات منوعة، بماذا تفسرين هذا؟

ـ بالنسبة لي أرى التنويع ضرورياً للانتشار، وبالنسبة لهن أرجو أن توجهي السؤال لهن.

النافذة الوحيدة

* هل نفهم من حديثك عن تجار الكاسيت والفيديو كليب أنك ضد هذا النوع من الانتشار؟

ـ أبدا، لكنني أطلب ألا تكون هذه الوسائل مجالاً للتجارة فقط. أما بالنسبة لأغنية الفيديو كليب فقد أصبحت في عصرنا هذا نافذة المطرب الأساسية التي يلتقي فيها الجمهور بسبب قلة الحفلات الفنية الغنائية. وأهم ما يميز أغنية الفيديو كليب هو التجديد، فهذه الأغنية يمكن أن تصور في أماكن عديدة وبأشكال مختلفة، ولكي تكون أغنية ناجحة يجب الاهتمام بطريقة التصوير، بمعنى أن تؤدي الصورة دوراً إيجابياً ومعبراً ولا تكون مجرد «تزويق»، بالاضافة إلى الاهتمام بالفكرة الجديدة المبتكرة وباللحن الجميل.

وأحب أن استدرك لأقول: لا نستطيع أن ننكر أبداً أن الصورة اليوم هي العنصر الأساسي في العمل الفني، ومن هنا نجد أن أكثر الأغاني تصور اليوم بهذه الطريقة، على الرغم من أن الكثير منها أيضاً فيه استسهال في الكلمة واللحن وحتى في مستوى التصوير.

وأنا لا أرى أن كل أغنية يجب أن تصور بهذه الطريقة، ولا بد أن يتحقق في الأغنية التي تصور بهذه الطريقة نوع من التواؤم بين الفكرة والكلمة والمشهد والموسيقى، حتى تصبح قريبة ومقبولة من عين المتلقي ووجدانه وآذانه.

* بعد ظاهرة الغناء باللهجة المصرية، نجد المطربين يتجهون للغناء باللهجة الخليجية، ما تعليقك على هذا؟

ـ الأغنية الخليجية استطاعت أن تفرض حضورها وبقوة على الساحة الفنية ولأسباب عديدة، أولها أن القائمين عليها يقدمون الفن من أجل الفن وليس من أجل الكسب المادي، ومن هذا المنطلق نجد أن الأغنية الخليجية تهتم بالشعر واللحن والأداء والتوزيع، فهي تخاطب الوجدان والحس الإنساني، لأنها تعتمد على الكلمة الحلوة التي تحمل الكثير من الشفافية والرومانسية.