من هي نجمة القرن:

TT

لا يستطيع أحد الادعاء أن لديه القدرة على أن يحيل الابداع إلى عناصر دقيقة وكل عنصر يحصل على درجة علمية ومن خلال ذلك يمتلك وعلى وجه اليقين أن يقول ان هذا المبدع يستحق 90 درجة من مائة وهذا يحصل على 92 درجة، لأن الابداع يخاطب العاطفة وبالتالي تختلف درجات التلقي. ولهذا فإن المهرجانات السينمائية تتعدد والفيلم الذي يحصل على جائزة من مهرجان «كان» السينمائي ربما اذا اشترك في مهرجان فينيسيا يخرج من التصفيات الأولى ولا يسمح له بالاشتراك في أي من تظاهرات المهرجان! سوف تجد دائماً أن هناك قمتين في الفن يجري بشأنهما سؤال عن أيهما أكثر فناً وإبداعاً وجماهيرية. مثلاً في الثلاثينات كان هناك حزبان واحد لمحمد عبد الوهاب يتزعمه أمير الشعراء أحمد شوقي وكان يرى أن محمد عبد الوهاب هو المغني الأول، بينما هناك حزب آخر يعتبر أن أم كلثوم هي الأجدر بعرش الغناء وكان يؤيدها العديد من الأدباء والمفكرين ورجال السياسة حتى أحمد شوقي كتب لها قصيدة «سلو كؤوس الطلى هل لامست فاها». التي غنتها، وهذا لم ينف زعامته لحزب عبد الوهاب! وفي الستينات والسبعينات اشتعلت المعركة بين فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ على زعامة الغناء حتى أن الرئيس جمال عبد الناصر اضطر للتدخل لحسم خلاف حاد في احدى ليالي شم النسيم مع مطلع السبعينات، حيث أن التلفزيون المصري لم تكن لديه امكانية هندسية وقتها الا لنقل حفل واحد على الهواء. وكان عشاق عبد الحليم يرون أنه يستحق ذلك، بينما عشاق فريد يرون أنه الأحق ولم يستطع المسؤولون حسم هذا الخلاف حتى تدخل الرئيس عبد الناصر وقرر أن ينقل حفل فريد على الهواء مباشرة ويتم تسجيل حفل عبد الحليم ليعرض في مساء اليوم التالي! تعودنا دائماً في حياتنا على تلك الثنائية. أيهما أشهر «أحمد شوقي» أم «حافظ ابراهيم» حتى بعد تنصيب شوقي أميراً للشعراء لم يخفت صدى هذا السؤال. وفي الأدب لم يحسم أحد المعركة أيهما الأفضل طه حسين أم عباس محمود العقاد؟! وفي السينما عندما ظهرت فاتن حمامة منذ مطلع الأربعينات حتى نضوجها في الخمسينات كانت هي الأولى على جيلها وعندما جاءت مرحلة السبعينات عاشت سعاد حسني في مرحلة نضج فني لا ينكر وبات السؤال أيهما أكثر موهبة فاتن حمامة أم سعاد حسني وأيهما أكثر جماهيرية فاتن أم سعاد؟! حظيت فاتن بلقب سيدة الشاشة العربية وحظيت سعاد بلقب سندريللا الشاشة العربية، ولو تأملت اللقبين لوجدت أن فاتن حصلت على لقب يتناسب مع حالة الوقار والاحترام والاستمرار التي صنعتها طوال مشوارها الفني بينما جاء لقب سندريللا تعبيرا عاطفيا عن حالة الحب التي أحاطت سعاد حسني في رحلتها الفنية حتى بعد أن غيب الموت جسدها إلا أن الحب لايزال في عنفوانه؟! فاتن حمامة لديها رصيد ضخم من التكريمات التي حصلت عليها وكان من أهمها هذا التكريم الذي أقامه سعد الدين وهبة عام 1996 من خلال مهرجان القاهرة السينمائي واعتبرها أفضل فنانة للسينما العربية حيث أنها بالأرقام عند اختيار أفضل مائة فيلم كان لها من بينها عشرة أفلام لعبت بطولتها وجاء ترتيب سعاد حسني في المركز الثاني برصيد قدره تسعة أفلام.

وبرغم أنني لا أوافق على الاستدلال الرقمي الذي اتبعه سعد وهبة في التقييم وأدى به إلى هذه النتائج، حيث أن التقييم الفني لا ينبغي أن يخضع لمثل هذه الأرقام ولكن بتحليل أسلوب أداء الممثل ومدى تنوع هذا الأسلوب والمغامرات الفنية التي قام بها. ورغم ذلك فإن وصول فنانتين بحجم فاتن وسعاد إلى تلك القمة وحصول احداهما على اللقب لا ينفي أن الفنانة الأخرى كان من الممكن أن تحصل أيضاً على نفس اللقب.

عندما أقيم هذا الاستفتاء قبل 5 سنوات لم يعترض إلا عدد من نفس جيل فاتن مثل «ماجدة» و«هند» و«مريم» وكان الاعتراض على انفراد «فاتن حمامة» بتقديم فيلم تسجيلي يروي تاريخ السينما المصرية وأن هذا الفيلم انحاز لها أكثر من جيلها! ولكن هذه الأيام بدأ السؤال يتردد عن أيهما تستحق لقب «نجمة القرن في الأداء التمثيلي» وذلك بعد أن قررت جمعية كتاب ونقاد السينما التي تقيم مهرجان الاسكندرية الدولي السينمائي تكريم «فاتن حمامة» باعتبارها نجمة القرن في هذه الدورة التي تحمل رقم 17 وتبدأ 5 سبتمبر (ايلول).

وبرغم أن هذا التكريم قد تم الاعلان عنه مطلع هذا العام ولم يعترض أحد إلا أنه قبل أسبوعين فقط بدأت التساؤلات حول من هي نجمة القرن سعاد أم فاتن؟ والواقع أننا لن نصل إلى نتيجة نهائية لأن جمعية كتاب ونقاد السينما عندما أعلنت ذلك هي تعبر عن نفسها وقرارها غير ملزم لغيرها من الجمعيات أو التجمعات الفنية أو حتى الصحف والمجلات، فإذا قالت صحيفة أو مجلة بعد استقراء رأي الجمهور أن هذه الفنانة هي نجمة القرن فإن هذا بالطبع لا يعبر عن رأي كل الجمهور ولكن فقط عن جمهور تلك المطبوعة وبهذا لن يستطيع استفتاء أن يدعي أنه هو الأصدق أو الأهم والحلقة لن تنتهي بانتصار نهائي لطرف ما.

وإذا كان مهرجان القاهرة في دورته العشرين قد انتهى إلى تنصيب فاتن كأفضل فنانة منذ خمس سنوات، وكذلك مهرجان الاسكندرية عندما منحها لقب نجمة القرن يظل المهرجانان يعبران عن قناعة القائمين عليهما وعلى من يرى غير ذلك أن يقيم ما يحلو له من استفتاءات وينصب من يشاء نجماً أو نجمة للقرن ولكن بدون التشكيك في الآخرين أو بالنتائج التي انتهوا إليها! ومن وجهة نظري أن أهم ثلاث نجمات تحولن إلى أساطير عند الجمهور وحفروا بصمات واضحة علي ذاكرة الناس هن حسب الترتيب الزمني ليلى مراد وفاتن حمامة وسعاد حسني. ولهذا فإن مهرجان الاسكندرية وقع اختياره على فاتن معبراً عن هذه القناعة بأنها نجمة القرن. ولكن الشارع المصري والعربي بعد رحيل سعاد حسني انحاز عاطفياً إليها إلا أن هذا لا يعني أن هذا الانحياز يعبر عن قناعة مطلقة وثابتة مع الزمن.

لا أعتقد أن اختيار مهرجان الاسكندرية فاتن حمامة باعتبارها نجمة للقرن يخصم من رصيد سعاد حسني عند الناس أو أنه يعني تقليلا من شأنها. ولكنها ارادة وقناعة لجمعية سينمائية تقول لفاتن حمامة أنت نجمة القرن ومن حق الآخرين أن ينصبوا سعاد نجمة للقرن أيضاً. لكن ليس من حق أحد التأكيد على أنه الأكثر صدقاً أو موضوعية ان الفن بطبيعته لا نستطيع أن نحيله إلى أرقام نهائية لا تقبل الجدل، ولهذا نقول لفاتن حمامة مبروك تكريم مهرجان الاسكندرية كنجمة للقرن وفي انتظار أن نقول مبروك لسعاد حسني أيضاً إذا رأى الآخرون ذلك.