«ابن عز» قضية عميقة تتحول إلى نكتة سخيفة

TT

منذ ان قدم علاء ولي الدين فيلمه «عبود ع الحدود» قبل عامين وهناك شرعية اكتسبها هذا الفنان السمين الثمين باعتباره نجم شباك، واكد علاء في فيلمه التالي مباشرة «الناظر» انه صاحب شعبية ولديه جمهور وجاء فيلمه الاخير «ابن عز» ليؤكد ذلك، فهناك بالفعل ترقب لهذا الفنان ولكن علينا ان ندرك ان الجمهور يمنح نجومية شباك مشروطة وهي ان علاء تم توظيفه فنيا من خلال بناء سينمائي وليس مجرد ممثل «مضحكاتي» يلقي نكتة هنا أو هناك.

ولهذا فإن اللقاء السينمائي مع المخرج شريف عرفة يحقق شروط هذا المعادلة، لان شريف لديه قدرة على ان يقدم معادلا سينمائيا، ولكن يبدو ان اللقاء الثالث بينهما في «ابن عز» بعد «عبود» و«الناظر» كان الهم الاكبر لدى شريف ان يبحث عن المشهد القادر اكثر على اضحاك الجمهور أو هكذا يعتقد شريف بغض النظر عن منطق هذا المشهد، مثل مشهد غناء علاء ولي الدين لاغنية هشام عباس الشهيرة «ناري نارين» وذلك اثناء رحلة هروبه.

ان الفيلم يتناول قضية مهمة وهي عدد من رجال الاعمال الذين حصلوا على قروض من البنوك ونهبوا اموال الناس وسافروا للخارج ولم يعودوا.

ووالد «علاء» في الفيلم هو «عز الدين» الذي تركه يتحمل بمفرده اخطاء والده قبل ان يودع في السجن، يستطيع حسن حسني الرجل الذي قام بتربيته ان ينقذه، وتبدأ رحلة هروب علاء ولي الدين، وقبل القاء القبض عليه ثانية يتعرف على عائلة فقيرة تتكون من راقصة معتزلة «انعام سالوسة» وابنتها راقصة لاتزال في الميدان «دينا» وشقيق لدينا هو «محمود عزب» الذي يؤدي دور شاعر محبط، الفيلم تعرية للمجتمع والفساد المستشري، ولهذا يقدم شخصية الصحافي التي اداها «حجاج عبد العظيم» وهو صحافي يعمل في عدد من الصحف الصفراء لا يعنيه سوى ان يعثر على مانشيت مثير، ثم بعد ذلك ولا ادري لماذا، فان هذا الصحافي يقرر ان يدافع عن علاء ولي الدين في ساحة القضاء وفي بلاط صاحبة الجلالة باعتباره صحافيا شريفا.

السيناريو الذي كتبه احمد عبد الله لم يكن لديه اكثر من ان يضع بطله في موقف ضاحك، فهو على سبيل المثال ينتحل شخصية مطرب لبناني من اجل الهروب من مطاردة الشرطة له، وهو يضع على وجهه لونا اسود احيانا للتخفي، وهو يرتدي زي البدو وهكذا، ولكن لا يوجد ما هو أبعد من ذلك. ان افلام المطاردات التي يهرب فيها البطل من رجال الشرطة أو من رجال العصابات لا تمنح مخرجها حرية الانتقال في اي مكان بدون ان تصبح هناك وجهة نظر ما، ولكن سيطرة العشوائية على اختيارات كاتب السيناريو احمد عبد الله وعلى المخرج شريف عرفة لان كل ما يشغلهما هو البحث عن افيه ضاحك وهو ما افسد متعة الفيلم، لان الذي يعنيهما هو العثور على الموقف الضاحك واحصاء عدد الضحكات الممكنة، وكأن الجمهور يحصي عدد الضحكات وبعدها يحدد موقفه هل يقطع تذكرة الدخول الى السينما أم لا؟

لم نشعر بأن رحلة هروب علاء ولي الدين كشفت شيئا أو اضافت شيئا، فهو لم يكشف لنا على سبيل المثال هذا العالم التحتي الذي اخترقه علاء ولي الدين وهو يحاول الهروب. كان ينبغي للتناقض بين «ابي العز» علاء ولي الدين واسرة المهمشين الذين لجأ اليهم ان يطرح افكارا ما وتباينا في تفسير الواقع ولكن ما يريده فقط المخرج هو ان يحيل كل شيء الى نكتة.

ان «ابن عز» في هذا الفيلم يدفعني لكي اعقد مقارنة مع «ابن عز» اخر قدمه الكاتب الكبير توفيق الحكيم في مسرحية «الايدي الناعمة» وتحولت الى فيلم سينمائي لعب بطولته احمد مظهر. اراد الحكيم ان يقدم لنا هذا العاطل بالوراثة الذي تغير من حوله المجتمع ولكنه لا يمتلك مقومات التغيير ولا يريد ان يتفاعل مع المجتمع لكي يكتشف اخطاءه وبعد ذلك يمتلك هو مقومات البقاء بأن يعمل ويكتسب حرفة تعينه على الحياة. اما علاء ولي الدين فأنه لم يكتسب ولم يتغير في داخله شيء، ولهذا فان رحلة الهروب كأنها لم تكن. كما ان مناصرة كل فئات المجتمع مع القاضي ايضا وتضامنهم مع علاء في المشهد قبل الاخير لاثبات براءته تبدو غير منطقية ومفتعلة، لان الجمهور لم يشعر بأي تعاطف مع علاء ولي الدين، فهو لم يساعد احدا غير نفسه ولم يتعلم من التجربة التي مرت به.

كانت موسيقى نبيل علي ماهر تحاول ان تبدو مرحة لكنه مرح مفتعل، بينما برع مدير التصوير ايمن ابو المكارم في تنفيذ مشاهد الفيلم، كذلك ديكور محمود بركة خاصة في شقة الراقصة انعام سالوسة.

كان هناك بعض المشاهد القليلة اجاد المخرج شريف عرفة تقديمها مثل القطار الذي ينام اسفله علاء ولي الدين وكان هذا توظيفا جيدا لتقنية الكومبيوتر جرافيك ولكن ما يعيب اغلب مشاهد الفيلم هو ان هناك استسهالا في التفكير السينمائي على الورق، حاول شريف ان يضيف نبضه السينمائي لهذه المشاهد ولكن هذا لا ينفي خطأ المخرج من البداية، لانه لم يسع الى البحث عن الابتكار الفني على ورق السيناريو. لست ادري ما هي الحكمة في ان يسند المخرج الدور النسائي الوحيد في الفيلم الى الراقصة دينا فهي لا تملك موهبة التمثيل ولم يستفد منها في الفيلم كراقصة اما انعام سالوسة فانها لا تجيد الاداء الكوميدي وحسن حسني لم يعد يبذل اي جهد فني رغم ان الفيلم يعتمد عليه كراو وايضا كشخصية ايجابية في الاحداث، الا ان هناك خفوتا في حالة الحضور التي كان يتمتع بها حسن حسني مثل فيلمه «عبود» اول بطولة لعلاء ولي الدين.

لا شك ان علاء ينطبق عليه تعبير فنان ـ رقمي ـ فهو يحقق ايرادات لمنتجي افلامه ولديه حضور طاغ ولايزال علاء محتفظا في ملامحه بصدق الطفولة وبراءتها، ولكن على علاء ان يعلم تماما ان الفنان في لحظة عليه ان يوقف محاولات استثماره وفيلم «ابن عز» هو احد هذه المحاولات الصارخة لاستثمار نجومية فنان كوميدي لديه شباك تذاكر يحطم من خلاله الايرادات تحطيما.

كانت القضية التي حملها الفيلم عميقة وخطيرة وهي فساد الكبار الذين يأخذون اموال البنوك، ولكن جاء المعادل السينمائي هزيلا ومتواضعا، وبالطبع فانا لا اعترض على ان تعالج اهم القضايا بالكوميديا والسخرية، لكن السؤال هو اي كوميديا وأي سخرية.