طلحت حمدي: على الفنان والكاتب أن يتناطحا مع الرقابة ويتحاورا معها

الفنان السوري يعتبر أن الفانتازيا ارتبطت بالفنان نجدت انزور لكنها ستنتهي لأنها تحمل معها بذور نهايتها

TT

طلحت حمدي فنان سوري عريق، اشتغل بالفن منذ الخمسينات من القرن الماضي وما زال، وعرف بادواره المتنوعة ما بين الكوميدي والدرامي والتاريخي والمعاصر، كما تنوع في مجال الفنون، فمثل في المسرح والسينما واستقر مع التلفزيون حيث رصيده الفني يصل الى عشرات المسلسلات والاعمال التلفزيونية. وهناك من يقول ان طلحت حمدي برز بشكل افضل في الكوميديا خاصة في اعماله الاولى كـ«دائرة النار» الذي صور في الثمانينات. حول هذا الموضوع وغيره كان الحوار التالي مع الفنان:

* لماذا يركز النقاد على ان اهم دور لك كان في مسلسل «دائرة النار» وهو دور كوميدي اديته بشكل رائع ـ كما يقولون ـ ؟

ـ «دائرة النار» عملناه سنة 1987 بروح رواية، كان هناك مستشار درامي، وهو الراحل شريف شاكر، على تواصل دائم مع الممثلين، يقدم النصائح حول الشخصيات، كذلك كان الحماس على اشده في تلك الفترة من الجميع، خاصة انه انتاج قطاع خاص، ومع بدايات دخول هذا القطاع في العملية الانتاجية ولم تكن هناك هجمة كبيرة على الانتاج التلفزيوني، لم يكن هناك تضييق الهامش على فكر وخيال الكاتب فلذلك كانت الاعمال في تلك الفترة مهمة وكان الكل يسعى الى النجاح. فالمسلسل هو من انتاج جميع العاملين فيه، فالممثل يدفع والمخرج والكاتب كذلك ليتم جمع تكاليف المسلسل، لذلك كان الجاهس عندهم هو المستوى الفني والفكري والادبي الراقي. بعد ذلك في التسعينات بدأ الوسط الفني والقطاع الخاص يتحول الى شركات، دخله التجار والقطاعات الاقتصادية الاخرى، ولكن مع ذلك فهم يشكرون، حيث ما زالت هناك حياة فنية في سورية، لولا القطاع الخاص لا يوجد انتاج فني، فالقطاع العام غير قادر على ان يغطي احتياجات التلفزيون من شاشات ارضية وفضائية، فمثلا التلفزيون السوري ينفذ 50 ساعة دراما في السنة، بينما القطاع الخاص يعمل 300 ساعة دراما.

* ولكن القطاع العام يتصدى لاعمال ضخمة قد لا يتصدى لها القطاع الخاص؟

ـ هذا الكلام ليس دقيقا تماما، القطاع العام قدم اعمالا ضخمة كـ «العبابيد» و«حمام القيشاني» والقطاع الخاص ايضا قدم اعمالا ضخمة، وهناك تنافس بين شركات الانتاج على هذه الاعمال ولكن اذا دخلنا بالعمق الفكري والادبي وتوجهاته نجد انه لا يمارس وظيفة الفن، يحاول ان يكون مادة للتسلية والابهار البصري. نجد فعلا الفن باتجاه ومعاناة وواقع الناس والحياة في اتجاه اخر فتصل احيانا كلفة بعض المسلسلات الى مليون دولار. وهذا المبلغ يصرف على خيل تركض ورايات قماش ترفرف، بعد ذلك كلها تتجه الى الماضي والتاريخ.

* أليست هذه مشكلة ـ برأيك ـ بحيث ان الدراما السورية تكرر نفسها خاصة في الاعمال التاريخية؟

ـ برأيي هناك عدة اسباب لهذه الظاهرة وهي الاتجاه نحو الماضي والتاريخ، فالماضي يخلق اجواء جميلة (مواقع تصوير ـ لباس ـ تسريحات ـ اسلحة..) هذا جانب، اما الجانب الاخرـ وهكذا يدعون ـ انهم يهربون من مقص او قلم الرقيب. فاذا اردنا تناول موضوع معاصر فسنواجه مشاكل مع الرقابة وباعتقادي ان الرقيب هو مواطن ويعاني مثلما يعاني الفنان والكاتب. صحيح ان هوامش الرقيب ضيقة واذا اخطأ لا يحميه احد، يتخلون عنه، ولكن واجب الكاتب والفنان ان يتناطحا مع الرقيب، يتحاورا، يتجادلا حتى اذا وصلا لحد التناطح.

فنحن نريد تطوير العقل العربي والمناخ العربي والمجتمع العربي، نطوره بالتنوير وليس بالتجهيل. لذلك العودة الى الوراء والى الفانتازيا، التي ليس لها وطن ولا زمن على اساس ان من ينتج مسلسلا يقول لا اريد ان ادخل مع الرقابة في متاهات، لا اريد ان انتج مسلسلا بكلفة 20 مليون ليرة وبعد ذلك تمنع اذاعته، او يمنع تصويره، طبعا الانسان الجاد الذي تهمه قضية الوطن وقضية المجتمع يفكر من خلال الهوامش الموجودة وهو يخضعها له ولا يخضع لها.. انا مثلا قدمت في حياتي الفنية اعمالا مهمة جدا وواجهت مشاكل مع الرقابة ولكن لم اسجن.. لم استدع لمخفر ولا لتحقيق. قدمت اعمالا لاقت صدى جماهيرا وايضا كان هناك حماس من الرقابة لتقديم اعمال بهذا الاتجاه مثل: «المكافأة» «طرابيش» و«الزاحفون» و«تل اللوز» و«خوخ ورمان» وكلها اعمال واقعية لها علاقة بالانسان بهمومه ومعاناته وطموحه.

* أنت فنان كوميدي، كيف ترى واقع الكوميديا في سورية؟

ـ للأسف اصبحت لدينا حالة قرف من موضوع الكوميديا، صار كل واحد يعتقد انه يمكنه اداء شخصية معوق فهذه تضحك ويقولون عنها كوميديا. هذا تمثيل مهترئ خاصة ما يسمى بسلسلة الاعمال الخفيفة. في اربعينات القرن الماضي كانوا يمثلون الكوميديا في المسرح. كانت هناك خفة دم اكثر مما هو حاليا فما يحصل حاليا هو الاستهزاء بشكل الشخص او بخلق عاهة لديه وهذا يقع ضمن مجال السيرك حيث يوجد تهريج، ولكن هناك تهريجا مبنيا بشكل جيد ويضحكك من اعماقك ولا يجعلك تضحك على الانسان. كما ان الكوميديا حاليا تعتمد على الكلام البذيء والمواضيع السطحية التافهة التي يطرحونها.

* كيف تنظر الى الفانتازيا؟

ـ ارتبطت الفانتازيا بنجدت انزور وهو فنان مبدع وله فضل كبير حيث حرك الساحة الفنية ولكن هذا الرجل هوسه الفانتازيا ويجد من يرغب بهذا الاتجاه، وانا بتقديري انها مرحلة ستنتهي لانها حاملة معها بذور نهايتها لان المواضيع نفسها والحكايات نفسها، مثل من يخلط شدة اوراق ويعود يرتبها من جديد.