تعريب الأفلام الأجنبية في السينما المصرية .. سرقة أم اقتباس؟

جدل بين الفنانين.. فريق يراه مشروعا ومباحا والبعض يعده إفلاسا

TT

بعد موسم سينمائي طويل وساخن، عاشته السينما المصرية طوال الصيف الماضي كان لا بد أن يثور سؤال مهم، ألح على كثيرين من عشاق السينما بعد مشاهدة هذا الكم الكبير من الأفلام التي تنافست هذا الموسم: هل عقم مؤلفو السينما المصرية، فأصبح الاقتباس هو شعارهم، و«سرقة» أفكار الأفلام الأجنبية ـ الأميركية على وجه الخصوص ـ هو شغلهم دون خجل ولا مواربة؟

إن الكم الكبير من الأعمال المقتبسة، والتي عرضت هذا الموسم تثير القضية من جديد. فبنظرة سريعة عليها نستطيع أن نرصد 6 أعمال مأخوذة عن أعمال أجنبية، كان أولها «شجيع السيما» الذي افتتح الموسم السينمائي، وقام ببطولته نجم الكوميديا أحمد آدم وأخرجه علي رجب. ولا نحتاج إلى مجهود كبير فالمشاهدة الأولية للفيلم تثبت أنه مأخوذ عن الفيلم الأميركي «الطريقة الصعبة» لمايكل جيفوكسي.. وكان آخرها «جاءنا البيان التالي» لنجم الكوميديا الأكثر رواجاً الآن في السينما المصرية محمد هنيدي. ففكرة الفيلم مأخوذة عن فيلم شهير لجوليا روبرتس بعنوان «غاوي مشاكل»، وبعد الهجوم النقدي الذي تعرض له مؤلف الفيلم محمد أمين حاول هنيدي التخفيف من حدته، وأشار إلى عدم علمه بهذا الاقتباس، وأن ظن أنه فكرته «خالصة» لمؤلفه، ولو كان يعلم لكتب على أفيشات الفيلم مصدره الأصلي.

وما بين الفيلمين تمتد القائمة: «فرقة بنات وبس» لهاني رمزي وماجد المصري والبطلة الجديدة أميرة فتحي التي كان الفيلم أول بطولة سينمائية لها. وتستطيع أن تقول ان الفيلم منقول حرفياً، أو على حد تعبير النقاد «منقول بالمسطرة» من فيلم كوميدي شهير لجاك ليمون. وربما تزول الدهشة قليلاً عندما نقرأ اسم المخرج شريف شعبان على تترات الفيلم، إذ أنه أحد أشهر مقتبسي أو قل مترجمي الأفلام الأميركية إلى السينما المصرية، وكانت أشهر سوابقه مع زوجته السابقة جالا فهمي، فقد ترجم لها أفلام «الجينز» المأخوذ عن «امرأة جميلة» للمخرج جاري مارشال والذي عرض عام 1990، واستغرقت عملية الاقتباس 4 سنوات، إذ عرض الجينز عام 1994.

وكانت السابقة الثانية في «طأطأ وريكا وكاظم بيه» المأخوذ عن الفيلم الأميركي «حكاية منتصف الليل» لرالف ليفي، والمعروض عام 1962، ثم «سمكة وأربعة قروش» عن الفيلم الأميركي «سمكة اسمها واندا» المعروض عام 1988 وعرضت النسخة المصرية منه عام 1997.

نعود إلى الموسم السينمائي الأخير، ونجد فيلم «ليه خلتني أحبك» الذي قام ببطولته كريم عبد العزيز مع حلا شيحة وحنان ترك، والذي اعترفت مخرجته ساندرا نشأت أنه مأخوذ عن واحد من أجمل أفلام جوليا روبرتس «زواج أعز أصدقائي».

إذ لا يبالغ الناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم عندما يصف السينما الأميركية بأنها الأم الرؤوم للسينما المصرية ويفسر ذلك بأن السينما المصرية منذ نشأتها لا تهتم سوى بالحدوتة أياً كان مصدرها، وكانت السينما الأميركية منجماً لا ينضب لها لاعتمادها على الحواديت الجذابة. اذن فالهدف الأول هو البحث عن الحدوتة التي لا بد من فبركتها في أغلب الأحيان كي يمكن للمقتبس أن يضع اسمه على الأفيشات كمؤلف وهو مرتاح البال والضمير أنه قام بعملية التأليف المطلوبة.

ويقول محمود قاسم انه قام باحصاء تاريخ الاقتباس في السينما المصرية بين عامي 1933 إلى 1997، فأحصى 180 فيلماً كان أولها «أولاد الذوات» ليوسف وهبي المأخوذ عن المسرحية الفرنسية «الذبائح»، وآخرها «عيش الغراب» للمخرج سمير سيف المأخوذ عن الفيلم الأميركي «على خط النار».

ويقول الناقد السينمائي د. رفيق الصبان إن الاقتباس ليس عيباً، فهو أمر تعرفه السينما المصرية منذ فجرها، ولا يمر عام دون أن نجد فيلماً مأخوذاً عن نص أو عمل أجنبي، ولكن العيب في «السرقة»، بمعنى ألا تذكر النص المقتبس منه، وكأنه عمل مصري خالص. وهناك مؤلفون كبار مات ضميرهم، فكانوا يكتبون على أفيشات بعض أفلامهم أنهم أصحاب القصة والسيناريو والحوار، في حين أن أي متابع للسينما العالمية يدرك أنه مقتبس.

والعيب الثاني أن يظل الجو الغربي للفيلم المقتبس موجوداً، فللاقتباس أصول. ويمكنك أن تخلق جواً مصرياً خالصاً من عمل أجنبي. فالمهم هو الفكرة والحدوتة لا التفاصيل.

ويوجه الصبان اتهاماً إلى مؤلفي السينما المصرية الجدد بأن خيالهم محدود، ويحاولون تعويض ذلك باللجوء إلى السينما الأميركية «والغرف» منها، ومن أفكارها، وكأنه أمر مباح لا تحده قيود ولا حدود.

فالاعتراف بالاقتباس شرف وأمانة. ويدلل على ذلك بأحدث أفلامه «الرغبة» الذي تقوم ببطولته نادية الجندي وإلهام شاهين، حيث أصر على أن يكتب على التترات أنه مأخوذ عن العمل الأميركي الشهير «عربة اسمها الرغبة» لتينسي ويليامز.

فهذا ليس عيباً، بل واجباً، خاصة أن قانون حماية الملكية الفكرية أصبح على الأبواب، وتطبيقه سيكون بين يوم وليلة.

وتدافع النجمة جالا فهمي عن أفلامها المقتبسة، وتقول انها ليست تهمة. وليس عيباً استثمار نجاح فيلم أميركي بنقل موضوعه إلى السينما المصرية، بدليل أن أفلامها المأخوذة عن أعمال أميركية حققت نجاحاً كبيراً.

وتشير إلى قلة الأفكار الدرامية. فعمر السينما المصرية يصل إلى ثلاثة أرباع قرن، أنتجت خلالها نحو 5 آلاف فيلم أو يزيد، وهو أمر يضع المؤلفين في مأزق ويدفعهم للبحث عن الجديد دائماً.

الناقدة ماجدة خير الله تقف في صف المعترضين في قضية الاقتباس.. صحيح أنها لا تجرمه، وتراه مشروعاً، إلا أنه عندها مثل الطلاق، حلال بغيض، إذ أن المجتمع المصري مليء بالمشكلات والقضايا التي يمكن أن تكون موضوعاً لعشرات الأفلام. ومن يغوص في المجتمع وبيئاته الشعبية، أو حتى الراقية يمكنه أن يعثر على أفكار جذابة تهم الناس. وتدلل على ذلك بفيلم «أصحاب ولابيزنس» لمصطفى قمر وهاني سلامة، وكان التجربة الاخراجية الأولى لعلي ادريس، ففكرته بسيطة، ويتناول موضوعاً يهم الناس، أو هو موضوع الساعة في إشارة إلى الانتفاضة الفلسطينية، حيث عالجها الفيلم بشكل رومانسي واقعي جميل، جمع بين الفيلم الهادف والتجاري في آن.. بدليل أنه حقق نجاحاً عند عرضه. فلماذا لا يكون نموذجاً لسينما مصرية خالصة بعيداً عن آفة الاقتباس.

=