الممثل واللهجة المبتكرة

محمد رضا

TT

في «الخواجة عبد القادر»، الذي عرض في شهر رمضان في العام الماضي، رأينا الممثل يحيى الفخراني يلعب دور رجل بريطاني يعتنق الإسلام ويغير اسمه من هربرت إلى عبد القادر. ورغم إسلامه وهجرته إلى مصر وجدناه، في عرف أبناء البلد، لا يزال «خواجة». وبما أنه لم يكن ترعرع في مصر، بل اكتسب اللغة العربية متأخرا في حياته، فإنه حافظ، من حيث لا يقوى، على لكنة الخواجات المشابهة التي هي من سمات المهاجرين الأجانب إلى المنطقة العربية.

ولأن يحيى الفخراني ممثل جيد الخامة والموهبة، فإن تمثيله الشخصية بلكنة غير لكنته المصرية المعروفة لم يكن ذا مشكلة على الإطلاق. ليس لأن تمثيل لكنة الخواجة أمر سهل (تلوي اللسان وتأكل بعض الأحرف وتتصرف بالباقي)، بل لأن الممثل الجيد يعلم أن عليه إتقان الشخصية قبل إتقان لكنتها.

في الحلقة الأولى نتعرف عليه كرجل بريطاني عجوز وبدين ومتهالك وسكير. وفي الحلقات اللاحقة نراه أفضل عافية ونشاطا بعدما طلق الخمر وتزوج بعد قصة حب ناصعة، ولو أنها ألّبت عليه البعض فقام بحرق منزل عبد القادر ومن فيه.

ما بين الحلقتين الأولى والأخيرة هناك سعة في العرض وتسلسل في تطور الشخصية، بحيث إن عملية انتقال هربرت وتحوله إلى شخص مختلف عما كان عليه تمر على نحو طبيعي وقابل للتصديق (ضمن الاختيارات الدرامية التقليدية في المسلسل التلفزيوني). لكن هذا التطور لا علاقة له بإتقان يحيى الفخراني مسألة التمثيل بلكنة غير لكنته، بل لها علاقة وثيقة بإتقان الفخراني التمثيل أساسا.

ما فعله هذا الممثل الذي نشتاق إليه كلما انتهى من أداء مسلسل ما، هو أنه وثق الشخصية الأساسية (كبريطاني) ثم عمد إلى الحفاظ على تصرفاتها وقواعدها الدرامية الأساسية بعد ذلك. أدرك أن الشخص هو الأساس في النقلة وليس ظاهره أو لسانه، فهناك أسس في الشخصية لا تتغير (حركات عفوية، نظرات، طريقة تصرف، إلخ...) حتى ولو تغير مفهومها للحياة من حولها.

إتقان اللكنة من دون إتقان الشخصية بكاملها يمنح الممثل حضورا خاليا من الحياة ويجعله منفصلا عن طبيعته وطبيعة الشخصية التي يؤديها.

هذه المشكلة نجدها في ممثلين أجانب يحاولون كسر الحواجز بين هوياتهم الثقافية ولهجاتهم المختلفة عما هو مطلوب منهم تأديته، وكثيرون يسقطون في الفخ المنصوب فإذا باللكنة مبتورة عن الشخصية التي تنتمي إليها. في حالات كثيرة وجدنا الممثل وقد بات أسير الرغبة في إتقان اللهجة (أو اللكنة) بحيث ما عاد قادرا على الاعتناء تماما بالتشخيص نفسه. هذا حدث مع ممثلين أميركيين حاولوا تقديم شخصيات بريطانية ومع ممثلين بريطانيين حاولوا تقديم شخصيات أميركية.

مبكرا هذا العام، شاهدنا دانيال داي - لويس يؤدي شخصية الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن، ثم شاهدناه يخطف أوسكار أفضل ممثل عن هذا الدور. ما فعله هذا الممثل الموهوب ليس فقط أنه تدرب على اللكنة التي تحدث بها الرئيس لكي يثبت براعته، بل تدرب على عناصر الشخصية بأسرها بما في ذلك الحركة والسلوك. لذلك، وبصرف النظر عن كيف نقيم هذا النجاح، فإن الشخصية تأتينا متكاملة لا يخون فيها الصوت والنطق السلوك ولا العكس.