«الدعاة» وحالة «الدعوة» مشهد جديد للموسم الرمضاني القادم وغياب للأعمال التاريخية

بعد مسلسل «الحسن والحسين» و«عمر»

ستغيب الأعمال التاريخية في شهر رمضان المقبل
TT

بخلاف توقعات متابعي الشاشة الرمضانية الموسمية لم توفر شركات الإنتاج وجبات تاريخية دسمة على غرار الأعوام الماضية التي برز خلالها مسلسلا «الحسن والحسين» و«عمر بن الخطاب»، متحولة إلى تناول الوجه «الدعوي» و«دعاته» في مجتمعات الربيع.

فما بين مسلسل «الولي» الذي يتحدث عن شاب متفوق تعلم بالأزهر ومجتهد يطالب بالتعامل مع العامة خارج إطار عمله كمدرس يكتشف سريعا قدراته الخطابية ليبدأ خطواته في المجال الدعوي، ومسلسل «حارس الرئيس» الذي يصور السيرة الذاتية للرئيس المصري محمد مرسي، بالإضافة إلى عمل درامي آخر يتناول الزعيم الروحي لحركة حماس، أحمد ياسين، والعمل التاريخي اليتيم للموسم الرمضاني القادم مسلسل «خيبر» مقدما صورة لليهود وسلوكياتهم في المجتمعات العربية الأولى لمؤلفه يوسف الجندي، لتتباين الآراء والمواقف تجاه الوجه الدرامي الجديد تارة لأسباب اقتصادية ومالية وأخرى لما فرضته المتغيرات السياسية والاجتماعية على المادة الفنية، ليذهب فريق ثالث نحو فرضية التوقف اللحظي بمقولة ماذا بعد مسلسل «عمر» بكسره ما اعتبر «تابوها» لقرون عدة بتجسيده شخصيات الصحابة والخلفاء الراشدين، فليس هناك ذروة أعلى للمستوى الديني بحسب البعض.

أكد فادي إسماعيل مدير خدمات مجموعة «إم بي سي» أن هناك ما أشبه بحالة تجتاح الأعمال التاريخية ما قبل مسلسل «عمر بن الخطاب» وما بعده، وهو ما يفسره بضرورة أن تمثل أية أعمال تاريخية إضافات هامة على صعيد القصة والأداء والإنتاج والإخراج، فما كان مقبولا قبل مسلسل «عمر» التاريخي لا يمكن أن يقبل بعده، بعد أن رفع المسلسل من مستوى التوقعات لدى المشاهد العربي.

وشدد على ضرورة عدم مقارنة الأعمال التاريخية بغيرها من الأعمال الاجتماعية والكوميدية التي بالإمكان تحضيرها بصورة سريعة، بخلاف الإنتاج التاريخي الضخم الذي بحاجة إلى مدة زمنية أكبر من عام واحد، مضيفا: «لا بد من عدم العودة إلى الوراء، وعلينا أن نرتفع بمستوى الإنتاج التاريخي، فلا يمكن القبول بمستوى أقل من مسلسل (عمر)، فلا بد من اختيار الأفضل ابتداء من النص والفكرة والإنتاج والكتابة».

وقال: «لا بد أن نكمل ما بدأناه من خلال مسلسل عمر التاريخي، الأمر الذي بحاجة إلى موارد وتخطيط وخبرات ولا يمكن تحقيقه سوى من خلال خطة زمنية محكمة لا تقل عن عامين».

ورفض فادي إسماعيل اعتبار ما تشهده الساحة السورية من أحداث سببا في غياب الأعمال التاريخية عن موسم رمضان القادم، مشيرا إلى أن الكفاءات السورية ما زالت موجودة وتعمل في كل من لبنان ومصر والخليج.

واعتبر أن ارتفاع مستوى التوقعات عقب مسلسل «عمر» إنما هو أمر طبيعي، متطلبا تعاونا وجهدا مشتركا ما بين شركات الإنتاج والتلفزيونات الرسمية بغرض تكاتف الجهود وتبادل الخبرات في سبيل رفع مستوى الإنتاج ومضاعفة إمكانيات البيع والتوزيع خارج العالم العربي.

ولمح مدير خدمات مجموعة «إم بي سي» إلى البدء بالإعداد لإنتاج عمل تاريخي دون الإفصاح عن هويته، قائلا: «سيكون هناك ما من شأنه أن يستجيب لتوقعات المشاهدين وليس بالضرورة أن يكون مماثلا لمسلسل (عمر)، فقد يكون من أزمنة أخرى إلا أنه لا يقل أهمية وسخونة».

ماجدة مريس الناقدة المصرية ترى أن عوامل مختلفة أثرت على حجم وجود المسلسلات التاريخية على غرار الأعوام الماضية، مشيرة إلى أن توجهات الدراما بمصر على سبيل المثال قد تأثرت بشكل كبير على ما تشهده من أوضاع داخلية برزت بتركيز عدد من المسلسلات بالحديث عن «الدعاة»، قائلة: «إن الحديث عن الدعاة حاليا بات أكثر من أي وقت سابق بعد أن تجسد كأشكال مجتمعي من حيث طبيعة اللغة التي يتوجب أن يتقيد بها الدعاة»، مضيفة أن تركيز الدعاة مؤخرا على توجيه خطابهم بصورة مباشرة عبر الفضائيات للجماهير أبرز ملاحظات عدة على محتوى الخطاب، مثيرا مادة فنية جديدة.

وعلى الرغم من توقع الناقدة المصرية استكمال دور المسلسلات التاريخية عبر الشاشة للموسم الرمضاني القادم وبالأخص عقب ما حققه مسلسل «عمر بن الخطاب» من نجاح كبير، فإنها في الوقت ذاته تبرر الغياب لما تعانيه الدراما المصرية والمؤسسات التابعة للدولة كمدينة الإنتاج الإعلامي ومؤسسات القاهرة من أزمات إنتاجية لاعتمادهم على شركات القطاع الخاص التي تأثرت جراء القلق الشديد من مجريات الأوضاع الداخلية وإشكاليات التوزيع التي قد لا تؤتي ثمارها، بالإضافة إلى إشكالية عدم إكمال تصوير حلقات المسلسل مما قلل الإقبال على الإنتاج التلفزيوني أو السينمائي.

وقالت مريس: «إن العمل الدرامي قد لا يكتمل أو يسوق بشكل جيد أو قد لا يعرض كما هي الصورة المتوقعة»، مضيفة بأن الأعمال الدرامية التي تناقش الدعوة وصورة الداعية للموسم الرمضاني القادم إنما تحتل موقع الأعمال التاريخية.

من جانبه أرجع الناقد كمال رمزي غياب الأعمال التاريخية إلى تكاليفها الباهظة التي تحتاج إلى مجاميع كبيرة، مشيرا إلى أن الأوضاع الاقتصادية للشركات والمؤسسات الإنتاجية والتوزيع إنما تعيش حالة من الوهن المالي.

واعتبر رمزي أن المشكلات الواقعية الراهنة التي تعاني منها مجتمعات «الربيع» إنما تعد أكثر إلحاحا لطرحها من تقديم المسلسلات التاريخية على الرغم من ارتباطها وعدم فصلها عن المجريات الواقعية، قائلا: «إن الدراما حاليا تتحدث عن الإشكالات الراهنة التي تتلخص بالشباب والإرهاب والإحباط العام والبحث عن طريق».

أما بخصوص ارتفاع معدل تجسيد الشخصيات الدينية في الدراما المصرية فأشار الناقد المصري إلى أن المزاج العام تأثر بعد صعود التيارات الدينية في الحياة السياسية والشأن الاجتماعي، مما خلف نوعا من أنواع الرفض من قبل فئات مختلفة، حيث بات كما ذكر «ينظر إلى الشخصيات الدينية بإطلاق اللحى وزبيبة الصلاة بتحفظ بالغ»، قائلا: «إن فشل السلطات الإسلامية أدى إلى تجلي صورة المنتفعين بالدين مما أدى إلى صعود نظرة نقدية لما يسمى بالدعاة ورجال الدين».

إلا أن غياب المسلسلات التاريخية وتمثيلها بمسلسل يتيم تجسد بالعمل الدرامي «خيبر» للمخرج العراقي عبد المحسن العلي وما تعانيه شركات الإنتاج والتوزيع من تحديات مالية، لن يؤثر على مستوى الإبداع الدرامي والسينمائي بحسب الناقد كمال رمزي.

وأكد أن مستوى الإبداع الحالي إنما يرتفع وتفجر من خلال الشباب الجديد والوجوه الجديدة، محددا رهانه على جهودهم سواء أكانت في التأليف أو التمثيل أو الإخراج، مضيفا أن الربيع العربي أثر بالإيجاب بخلق جو إبداعي في مجال الكاريكاتير والغناء والأعمال الدرامية جراء توقف أو ضعف الإنتاج السينمائي، مما دفع بالمواهب إلى الاتجاه صوب المسلسلات التلفزيونية ورفع المستوى العام كما حدث مع الحالة السورية، حيث اتجهت كل الطاقات الإبداعية إلى التلفزيون.