هل أنت كما يقولون عنك؟

محمد رضا

TT

بما أن الغاية هنا ليست نقد محطة معينة ولا برنامج محدد، وإلا تم اعتبارنا طرفا ما، وبما أن المشكلة منتشرة فإنه بالإمكان الكتابة بحرية أوسع من مجرد تحديد مصدر الشكوى.

على هذا الأساس ها هي محطة تلفزيونية كبيرة في دولة عربية تنتهي مؤخرا من بث مسلسل درامي معين أشاهد منه حلقته الأولى وحلقته الأخيرة وحلقتين من منتصفه وأخرج بما يؤكد أن تقدمنا الفني لا يزال في مطلعه، بل إنه في بعض الحالات، وحال هذا المسلسل من بينها، لم يبدأ بعد.

لثلاثين حلقة على المشاهد قبل كل شيء أن يتسمر أمام مقدمة، مد الإنتاج يده إلى عمق الستينات واستخرجها. مقدمة معلومة مئات المرات، حيث لا بد من تقديم الممثلين الكثر وصورة لكل ممثل ثم لقطة له وهو يمثل. هذا قبل أن تتوالى أسماء بعض العاملين الآخرين بنفس ذلك الإيقاع البطيء ومنوال تقديم الصورة الثابتة منها والمتحركة. كل ذلك بمونتاج خال من الفن مصحوبا بأغنية تتهادى مثل دبابة اشتعلت فيها النيران ولم تعد تعرف أين تتجه.

هذا في كل حلقة، إذ لا يمكن أن يغير المسلسل مقدمته في كل حلقة أو كلما مرت بضع حلقات. تصور أنك أحد المشاهدين فإن عندك خمس دقائق على الأقل من الإعادة. في هذه المدة ذاتها يكون مسلسل أميركي (أو آخر بريطاني أو سويدي) قد عرض المقدمة والأسماء في دقيقة وانبرى يسرد حكاية تلك الحلقة في الدقيقة الثانية.

«انتبه أيها المشاهد»، يقول لك صانعو المسلسل والمسؤولون عن عرضه، «أنت بطيء التفكير، قليل الذكاء، معدوم الحيلة. أنت بحاجة إلى عرض متمهل ولا بأس إذا كان مكررا، لأنك لا بد سمعت أن في الإعادة إفادة». فهل أنت كذلك فعلا؟

كل هذا وويلات الحلقة (ثم الحلقات كلها) لم تبدأ بعد. إذ حين تبدأ تجد نفسك أمام نقل مسطرة مما كنت ترفضه لو كنت متابعا دءوبا للإنجازات التلفزيونية الجبارة من هذا النوع. التمثيل الخالي من الجودة، التشخيص الذي يفتقد الروح، المواقف المتكلفة واللقطات التي لم تستفد بعد من سبعين سنة تلفزيون.

أحدها، وعلى سبيل المثال فقط، إذ ستحتاج لصفحة كاملة لو أردت عدها، تصور عددا من الممثلين رئيسيين وثانويين يهرعون إلى غرفة في مستشفى. غرفة كبيرة لكن فيها سريرين فقط (لأن كل سرير إضافي هو كلفة إضافية! يا للذكاء). السريران متقابلان والممثلون يقفون ممتدين صفا واحدا لأن الكاميرا في المقابل.. وهم ينظرون إلى المرأتين المستلقيتين عليهما. بالتالي رؤوس هؤلاء الممثلين تستدير يمينا تارة ويسارا تارة أخرى كما لو كانوا يتابعون لعبة تنس. هل يعرفون لماذا يفعلون ذلك؟ أراهن بأنهم انطلقوا لتأدية المشهد من دون أي معرفة بالسبب الذي عليهم الوقوف مثل الحرس الشرفي ولوي رؤوسهم على هذا النحو.

نعم يا قارئي ابن القرن الحادي والعشرين، هذا ما لا يزال يحدث على شاشاتنا بإسم الدراما والتمثيل. طبعا النموذج ليس سوى نسخة مما سبقه ونسخة مما عداه. الممثل في غالبية ما نراه من الأعمال هو آخر من يعلم. يطلب منه أن يقف هنا، فيفعل وأن يقول كذا فيفعل. طبعا هو قرأ السيناريو لكن معظم الممثلين ليسوا من ممارسي الخيارات. وليس لدى الغالبية أي خيار شخصي. إذا لم ينفذ المطلوب فهناك كثيرون سواه يستطيعون.

معظم الممثلين يقرأ لينفذ ما يقرأ. ومعظم المخرجين يقرأ لينفذ ما يطلبه العمل التقليدي. ثم معظم المنتجين ينتج لكي ينفذ طلب المحطات التلفزيونية. والجميع يقبض لقاء هدم الذوق عند المتلقين.