إحباط الممثل ممثلا آخر

محمد رضا

TT

تداولت وسائل الإعلام قبل حين ليس بالبعيد (أواخر التسعينات) انتشار عادة أن يؤدي الممثل في هوليوود لقطته المنفردة أمام الكاميرا، ولقطاته التي تجمعه مع الممثل الآخر، لكن حين يأتي الأمر إلى تصوير اللقطة المواجهة للممثل الآخر يطلب من المخرج إعفاءه مكتفيا بما قام به. بذلك يصبح على الممثل الآخر، الذي عادة ما يكون أقل شهرة من الممثل المنكفئ، التمثيل متخيلا أن الممثل الآخر لا يزال في مكانه.

لا أدري ما إذا كان هذا التصرف لا يزال قائما إلى اليوم، لكن العادات السيئة لا تتوارى سريعا وبعضها لا يتوارى مطلقا. لكن لك أن تتخيل إحباط الممثل الآخر (ذلك الأصغر شأنا بحكم الظروف) من قيام الممثل الأشهر بإعطاء ظهره إليه والانصراف عنه أو حتى الجلوس بعيدا ليراقبه أو ليتحدث إلى واحدة من العاملات في الفيلم. طبعا ليس كل ممثل يفعل ذلك. لا دانيال داي - لويس ولا شون بن ولا كلينت إيستوود ولا جورج كلوني. في الواقع، ليس هناك من ممثل جاد أعرفه يفعل ذلك. لكن أولئك الذين يستنكفون عن تأدية أدوارهم أمام الممثلين المساندين أو الثانويين يسببون الإحباط ويدفعون ببعض الممثلين الناشئين للفعل ذاته إذا ما وصلوا إلى السدة ذاتها.

في المقابل العربي سادت عادة سيئة أخرى، ليس في السينما فحسب بل على المسرح أيضا: رغبة بعض الممثلين سرقة المشهد من بعضهم الآخر. وهذا أيضا محبط جدا للممثل، والمشكلة هي أنه ينتصر على إحباطه بالعمل لاستعادة المشهد من سارقه بسرقته مرة أخرى.

في هذه الحالة، قد يعمد ممثل ما إلى رفع صوته على الآخر، أو الإتيان بحركة دائمة خلال قيام الآخر بتأدية دوره. وشاهدت ذات مرة ممثلا وجد أن أفضل حل لسرقة الاهتمام هو أن يسخر فعليا من جملة قالها «منافسه» وإعادة إلقائها بدوره وبطريقته. ما على الآخر سوى أن يدافع عن نفسه بالأسلوب ذاته.. وتسألني لماذا الدراما العربية في الحضيض؟

التمثيل يستمد ما يمثله من النص، إذا كان النص جيدا فهو جيد للجميع بلا استثناء. إن لم يكن جيدا فهو أضعف من أن يلتزم الممثل به وعليه سوف يعتبر أن الفرصة سانحة لكي «يسيطر على الجو»، يستحوذ عليه ويصبح نجم المشهد أو اللقطة. هذا، وبالمصري المفيد، «لعب عيال» وليس تمثيلا، كما أن نظير هذه الحركات هوليووديا هو أيضا إساءة للفيلم ولا يمكن أن ينتج عنه ما يعكس احترام الممثل لعمله هو.

في مطلع شهرة بول نيومان في أواخر الخمسينات كان نيومان يتحاشى النظر إلى عيني الممثل الآخر. تجد ذلك واضحا في فيلم «ذو المسدس الأيسر» The Left Handed Gun سنة 1959، كما في «Hud» سنة 1963. وقرأت في أحد المواقع أخيرا أن أحد ممثلي الفيلم الثاني (ملفين دوغلاس) انتقد هذا الأسلوب مما أدى إلى قيام نيومان بالإقلاع عنه. لاحقا، وبالفعل، نجد أن تشتت عيني نيومان قد قل كثيرا وإن بقي يحاول دوما الحفاظ على استقلالية ظهوره ممن حوله. لكن عدم النظر إلى الممثل الآخر خلال العمل هو نوع آخر من الإحباط الذي يواجهه ممثل من ممثل آخر، كما لو أنه ليس لديه مصادر إحباطات أخرى.

ما أقود إليه هو أنه من الضروري أن يمارس كل ممثل حرفته على أفضل وجه، واحترام النص (مهما كان سيئا لأنه ما دمت قبلت بتمثيله فإنك جزء منه) ضروري، كذلك احترام الممثل الآخر صغيرا كان أو كبيرا. هذا الاحترام تحصيل حاصل لاحترام الممثل لنفسه ولجمهوره وللناس عموما.