عين على الممثل

محمد رضا

TT

ساد الاعتبار بأن الممثل الذي يملك خبرة التمثيل المسرحي هو أفضل من ذلك الذي ليست لديه تلك الخبرة. وهو اعتبار لا يخلو من الصحة، لكنه ليس صحيحا على نحو كامل. لورنس أوليفييه ربما كان خير مثال في هذا المجال: ممثل جيد وعميق الدراية على المسرح لكنه أقل من رائد ماهر في الأدوار التي قام بها في السينما. نسخته من «هنري الخامس»، التي قدمها سنة 1944 في فيلم من إنتاجه وقام بتمثيلها على المسرح قبل ذلك التاريخ وبعده واحدة من تلك المرات التي أخفق فيها الممثل المسرحي في إحداث الشرارة المطلوبة أمام الكاميرا. تشخيصه الكاريكاتيري لدور النازي في «رجل الماراثون» (1976) هو مثال آخر.

واحد من أسباب التباين بين المنهجين، التمثيل للمسرح والتمثيل للسينما، هو أن الثاني يمثل أمام عين راصدة.

لا أتحدث عن أعين المشاهدين التي ترصد بالطبع حركة وأداء الممثل على المسرح وعلى الشاشة على حد سواء، بل العين المقصودة هي عين الكاميرا. إنه اختلاف تقني لكنه بالغ الأهمية فعلى المسرح ليس هناك تلك العين التي على الممثل أن يؤدي أمامها أي شيء. هي ملغاة من الأساس. الممثل المسرحي يتمتع بالمكان وحده ويملك حرية أوسع في الحركة مساحتها طرف المسرح الأمامي، جانباه المسرح والطرف الخلفي له. مباشرة بعد ذلك لديه الجمهور في المقابل، والغرفة التي سيلجأ إليها في الخلفية عندما ينتهي دوره. وانتهاء دوره لا يعني انتهاء دور الآخرين في مواظبة مدتها غير متقطعة ولا يمكن إعادة أي فقرة أو جزء منها.

في حين أن الكاميرا تمنح الممثل القدرة على تصحيح خطأ ربما ارتكبه، أو ربما ارتكبه سواه (مدير التصوير، ممثل آخر، مهندس الصوت الخ..) تضعه مباشرة أمام عين الكاميرا وبذلك تطلب منه أسلوب عمل مختلفا تماما.

عليه أولا أن ينساها كليا حتى عندما يلجأ المخرج للقطة قريبة جدا لوجه الممثل (من المفترض أن يلجأ إليها في حالات قليلة جدا). عليه ثانيا، وقد تجاهلها، أن يؤدي ما عليه تأديته مدركا أنها السبب الذي من أجله يؤدي الدور، بمعنى أن الجمهور ذاته (الذي سيستلهم من تلك العين قدرته الخاصة على المشاهدة) حال مؤجل. الكاميرا في هذا الوضع ستتحول إلى ثقب الباب الذي سينظر المشاهدون منه إلى الوضع الماثل أمام الكاميرا بما فيه تمثيل الممثلين.

لكن العين المذكورة ليست الوحيدة. هناك عين الممثل التي هي عنوان شعوره الخاص في اللحظة المعينة التي يتم فيها إطلاق ذلك الشعور. هي أيضا عنوانه كممثل فالجمهور أول ما يرى من الممثل هو تعبيره. يتمعن في عينيه اللتين ستعكسان حالة رضا، رقة، خوف، قلق، ترقّب، سعادة، تساؤل الخ.. لذلك فإن الممثل الذي يستبدل القدرة على التعبير بالعين بالتعبير باليدين وحدهما لا يستطيع أن يسجل حضورا فنيا ذا حجم.

هناك نهاية لأحد الأفلام العربية تمد فيها يسرا يدها نحو الكاميرا وتصرخ «لا». لا أدري ما الذي كان ببال المخرج حينما طلب منها أن تفعل ذلك لأن حركة اليد ألغت التعبير الوجداني بأسره وشلت العين. لكن هذا ليس هو المثال الوحيد كما سنرى في الأسبوع المقبل.