آسر ياسين لـ «الشرق الأوسط» : قدمت «فرش وغطا» بدافع وطني

الفنان المصري يتوقع أن يكون الفيلم مرجعا تاريخيا في المستقبل

مشهد من فيلم «فرش وغطا»
TT

ينتظر الفنان آسر ياسين رد فعل الجمهور المصري علي تجربته في فيلم مستقل (أي غير تجاري) بعنوان «فرش وغطا»، الذي يعرض في دور العرض حاليا، ويراهن عليه، ويرى أنه سيكون معبرا عن دوره تجاه وطنه.

وقال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن هذا العمل سيكون مرجعا تاريخيا في المستقبل، فالفيلم يرصد حياة شاب منذ هروبه من سجن «القطا» إلى المنطقة التي يعيش فيها بالسيدة زينب وسط القاهرة، ثم إلى المقابر وعزبة الزبالين في جنوب شرقي العاصمة. ومعظم النماذج التي ظهرت في الفيلم كانت حقيقية، وينقل العمل أحداثا وقعت بالفعل خلال الفترة التي أعقبت فتح السجون المصرية في 2011.

وتحدث الفنان ياسين عن أبعاد وتفاصيل دوره في فيلمه الجديد، وتطرق إلى الفرق بين الأعمال السينمائية المستقلة التجارية في السوقين المصرية والدولية، وقال إن السينما المصرية سوف تشهد مستقبلا واعدا في الفترة المقبلة. كما تناول الطريقة التي جرى بها المزج في العمل الأخير بين الشخصيات الحقيقية والشخصيات التمثيلية في العمل، وتقليل مقدار الحوار في الفيلم لصالح المشاهد المعبرة. وإلى نص الحوار.

* هل يحقق فيلم «فرش وغطا» الإقبال الجماهيري المطلوب لعرضه في دور العرض السينمائي المصري، وخاصة أنه من نوعية الأعمال المستقلة؟

العمل يعرض لمدة أسبوع وفي قاعات محدودة، لكن أتمنى أن يلقى رواجا جماهيريا لكي يترتب عليه مد مدة العرض في السينما، ولا يستطيع أحد الرهان على الجمهور المصري الذي دائما ما يفاجئ الجميع، ولكن ردود الفعل التي وصلتني عندما عرض في كثير من المهرجانات تجعلني مطمئنا، خاصة عرضه في الدورة 38 لمهرجان «تورونتو السينمائي» وحصوله على جائزة، وإذا لم يستطع الفيلم تحقيق النجاح حاليا في دور العرض، بالتأكيد سيحقق ذلك عندما يعرض على القنوات الفضائية.

* لماذا أقبلت على تقديم فيلم مستقل، في حين أنه كان من الممكن تقدم عمل تجاري؟

في بداياتي الفنية من 13 عاما شاركت في كثير من الأفلام المستقلة، ولم يكن هناك رواج لهذه الأفلام مثل الآن.. وبدأت النظرة لهذه النوعية من الأفلام تتغير.. وهذه النوعية تتضمن رسالة واضحة وصريحة، ونوعا من الفن يحمل الصبغة الإرشادية. ودخولي في هذه التجربة لم يقلل من شأني كفنان معروف، ولكني أرى أنه لا بد من الاهتمام بهذه النوعية وتغيير النظرة إليها من قبل كل القائمين على الصناعة ودعمها من قبل الحكومة والمسؤولين، خاصة أنها أصبحت تمثل السينما المصرية في كثير من المهرجانات العالمية؛ فالعالم ينظر إلى الثقافة المصرية من خلال هذه النوعية من الأفلام.. نحن كفنانين لا بد أن نقدم الأعمال الترفيهية التي تدر الإيرادات وأيضا الأعمال التي تحث الجمهور على الوعي. جميعنا يعمل من أجل الناس وعن مشكلات الناس.

* لماذا وقع اختيارك على فكرة «فرش وغطا»؟

تربطني علاقة صداقة مع الكاتب أحمد عبد الله، وكنا دائما نبحث عن فكرة لتنفيذها من خلال مشروع مستقل، وأعجبتني فكره فيلم «فرش وغطا» والاسم معبر عن المضمون، وأتوقع أنه سيتخذ مرجعا تاريخيا في يوم من الأيام لمناقشته فترة مهمة من تاريخ مصر، خاصة أن الفيلم يرصد حياة المهمشين، كما أن المطالب لتحقيق العدالة الاجتماعية مستمرة، لكن دون تغيير على أرض الواقع، لذلك أعتبر ما فعلته واجبا فنيا ومن أهم المحطات في حياتي.

* لكن توجد كثير من الأعمال ناقشت حال المهمشين، فما جديدك؟

المختلف أن هذا العمل يتحدث عنهم من خلال علاقات إنسانية. على سبيل المثال، كنا دائما نسمع في ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، عن أرقام جثث من هذه الفئة وليس عن أشخاص بعينهم، فقررنا بهذا العمل الدخول داخل الأرقام والبحث فيها، وليس البطل هنا ثورة يناير في العمل، ولكن نعتبره ظرفا نمر عليه للدخول إلى هذه الفئة التي كانت وما زالت مهمشة قبل وبعد الثورات التي مررنا بها.

* معنى كلامك أنك تطالب بكثرة هذه الأعمال والتخلي بعض الشيء عن الأعمال الترفيهية؟

لست ضد كثره الأفلام الترفيهية، ولكني أطالب بتوازن بينها وبين الأفلام التي تحمل مضمونا وتخص قضايا مهمة في المجتمع، فالمشكلات كثيرة كمشكلة الأمية مثلا بالتوعية والبحث عنها وعمل أفلام عليها ستقوم بتغيير مجتمع كامل، ولا بد أن نتوقف عن النظر إلى المشكلة على أنها عمل خيري، والذي لديه إمكانيات عالية لا بد أن يكون لديه دور وطني من خلال عمله، وبدوري كفنان أقوم بذلك تجاه هذه الطبقة، وإبراز هذه المشكلات إلى العالم عن طريق عرضها في مهرجانات.

* من الممكن أن يقول البعض إن هذه النوعية من الأفلام تنشر فضائح المجتمع المحلي أمام العالم.

هذا النوع من الكلام لا يعجبني، فأنا لا أصدر الشيء السيئ عن بلدي، ولكني أقدم الحقيقة كما هي، وإن لم أفعل ذلك، فسأكون خائنا لواقع بلدي، أي إن لم أقدمها بهذا الشكل، وأن أدخل بها في مهرجانات هذا يعني أنني أقدم السينما والفن المصري بواقعه، وكنت أتمنى أن يعرض العمل داخل مصر قبل أي مهرجان آخر؛ فدوري أن أكون واضحا فيما أقدمه، بالعكس عندما تقوم دور العرض الفرنسي بتوزيع لهذا الفيلم فهذا إنجاز للسينما المصرية، وسيُحسب ذلك لنا في التاريخ.

* ما مصدر المعلومات التي حصل عليها الكاتب ونحن نعيش في فترة تكثر فيها المعلومات والأقاويل؟

قمنا بتصوير أسبوع واحد، ثم توقفنا بعد الذهاب إلى التصوير في إحدى المقابر وقابلنا شخصا يعيش هناك، وبدأ في سرد حكايته للكاتب، فاقترح أحمد عبد الله أن نضم شخصيات حقيقية إلى الفيلم من فئات متنوعة، كالمقيمين داخل المقابر والزبالين وغيرهم، بحيث يقص كل منهم حكايته بجانب الاستناد إلى أخبار من بعض الجرائد المصرية و«فيديوهات» موثقة وحقيقية وليست من تأليفنا، وكل المشاهد التي استخدمناها كانت حقيقية مع المرور من بعيد على ثورة يناير. وحاولنا أن نمزج بين الممثلين والشخصيات الحقيقية.

* لكن ثورة يناير هي بطل الموضوع؟

الثورة ليست بطل الفيلم، وليس لها دور في الأحداث بشكل كبير، ولكننا استخدمناها فقط كحدث كبير أثر على حياة الناس خلال الفترة الأخيرة، ولو كان هناك حدث كبير آخر كنا سنستخدمه، لذلك فالعمل ليس له علاقة بالثورة.

* ألم يكن من الصعب عليكم المزج بين الشخصيات الحقيقية والممثلين؟

بالتأكيد.. كان صعبا علينا، لأن إطار الدراما كان يتجه نحو بطل واحد، ثم بعد الاستعانة بشخصيات حقيقية من الواقع بدأت أبذل مجهودا لكي أقترب أكثر من هذه الشخصيات وأعيش واقعهم وحياتهم، لدرجة أنني بدأت قبل التصوير بشهور معايشة حياتهم كالنوم على الأرض، وعلى الرغم من كل ذلك، فالفيلم يحمل دعوة تفاؤلية، فالفيلم لا توجد فيه كلمات كثيرة بقدر ما به من تعبيرات.

* ما المقصود بالحوار الصامت دون الكلام؟

هذه رؤية المخرج.. والمؤلف أحمد عبد الله فضّل أن يكون العمل به رسائل حسية وجسدية أكثر بعيدا عن الشكل اللغوي، ونحن لا نطرح أسئلة، ولسنا مع أو ضد أي جهة، بل نترك للمشاهد أن يأخذ الفكر الذي يراه، لكن العمل يطالب المجتمع بتفعيل دوره تجاه هذه الفئة من المهمشين، والتحدي الحقيقي في تجربة «فرش وغطا» لم يكن يتعلق بالصمت فقط، ولكن في أن أكون ممثلا طبيعيا يشبه الأشخاص الموجودين في الشارع.

* قُدم في السينما المصرية كثير من الأفلام عن المهمشين؟ فما الإضافة؟

أرى أن الفيلم حالة خاصة جدا ولا أستطيع مقارنته بأي فيلم آخر، لأن به حالة تلقٍّ واستيعاب نرى من خلالها أحوال الناس بعيدا عن تصدير فكر معين، مع المطالبة بالحوار مع هذه الفئة، لأن الفيلم تسجيلي روائي واعتمدنا كثيرا على الحوارات التسجيلية، فكان عليّ أن أكون قريب الشبه من هؤلاء الناس.

* لماذا استعنت بشخصية قريبة الشبه من الشخصية في مسلسل «البلطجي»؟

الشخصية التي قدمتها في فيلم «فرش وغطا» شخصية لشخص «غلبان»، ولا يشبه الشخصية التي قدمتها في العمل الدرامي «البلطجي» الذي عرض منذ سنتين، ولكن بالمصادفة أنني كنت أقوم بتصوير العملين في وقت واحد.

* ماذا عن أماكن التصوير؟

مررنا بأوقات صعبة في التصوير، لأننا قمنا بالتصوير في أماكن مختلفة، مثل المقابر، وعشت هذه العلاقة بين الإنشاد والروحانيات في القبور، وقمنا بالتصوير في أماكن لزبالين وغيرها.

* ما رأيك في شكل السينما الآن؟

أنا متفائل بشكل السينما في الفترة المقبلة، فأرى أن السينما تعيش دورات، وكل دورة تأخذ وقتها، ونتخلص من السلبي بمرور الوقت، ونبقي على الإيجابي. والذي يجعل لدي أمل هو وجود جيل جديد في التمثيل والإخراج والتأليف في الأيام المقبلة، وكل فترة لها انعكاساتها على الواقع، وأعتبر الذي يحدث الآن في الفن فترة صعبة وستمر على الرغم من أن هذه الأعمال السينمائية التي أنتجت مؤخرا كان لها دور مهم في مواجهة الأعمال الأجنبية التي أخذت تغزو دور العرض المصرية، لكننا نحتاج إلى وضع ضوابط وقواعد مشتركة لكل القائمين على الصناعة، لكي تكون بمثابة قانون يمشي عليه الجميع. على الرغم من أنني لا أحب أن أقوم بهذه النوعية من الأفلام لأنني لا أجيد القيام بها، ولا يستطيع أيضا من يقوم بهذه الأعمال أن يقوم بأدواري فكل منا يلعب دوره.