الدمعة التي تتكلم

محمد رضا

TT

سمحت لنا، نحن معشر السينمائيين والنقاد، مهرجانات السينما العربية بمشاهدة أصناف من الأفلام لا يراها جمهور صالات المول في العروض العادية. هذا لأننا، عنوة عن معظم بقاع الأرض، لا نعرض للجمهور العريض سوى النوع الواحد الذي نعتقد أنه يقبل عليه، أما النوع الآخر، نوع الأفلام الفنية المرموقة أو ذات الهدف الأبعد من مجرد التعامل مع الأحاسيس الطرية للطبخ العاطفي، فإنها لا ترى النور لا سينما ولا تلفزيون.

وهي حالة مؤسفة بلا ريب. هناك انفصام في شخصية السينما العربية رهيب لا يدري معظمنا فداحته ولا ما سيؤدي إليه الوضع في المستقبل القريب أو اللاحق. لكن الأكثر أسفا هو حال الأفلام التي نصطلح على تسميتها بـ«تجارية».

كنت تجاهلت مشاهدة الأفلام المصرية التي تنتج للأسواق العادية لفترة، ثم وجدت أن الوقت حان لمعاودة مشاهدتها عملا بأن الناقد لا يستطيع أن يستبعد شيئا بناء على هوية، نوع، تاريخ، أو قيمة. و... يا للهول (أقولها بطريقة المسرحي الراحل يوسف وهبي).

ليست هذه زاوية نقد سينمائي، لذلك لن أذكر الأفلام التي شاهدتها في الأسابيع الماضية (خمسة)، لكني سأتجاوز التفاصيل إلى القيمة العامة: «زيرو».

هناك فيلم يلوح المخرج بالكاميرا تلويحا كما لو كانت راية. تتماوج المشاهد تبعا لذلك وتتضارب. حركات أفقية سريعة تمسح كل التفاصيل التي كان من المفترض بالعين أن تراها لكي تعي ما يحدث.

وفي آخر تستهوي حركة اللف حول الموضوع الكامن في وسط اللقطة فتقوم الكاميرا بالدوران عليه نحو عشر مرات.

وحين يأتي الأمر إلى الكتابة فعدد من الأخطاء ما لا حصر له. والتمثيل أسوأ. ليس فقط أسوأ ما في هذه الأفلام، بل من أسوأ ما طبع على شرائط خام في تاريخ السينما العربية. ويجاور كل ذلك استخدام الموسيقى. طبعا الناي والكمان الحزينان لازمتان يستخدمهما النادبون في الأفلام. ولا بأس إذا ما هطلت دموع هذه الشخصية أو تلك استدرارا للدمعة التي يقاومها بعض المشاهدين. الدمعة التي تتكلم فتقول للمشاهد: أتراني؟ لقد نزلت على خد هذه الشخصية لكي أشعرك بأن حالها يدعو للبكاء. اذرف معي الدمع. أليس لديك قلب؟

القلب موجود، لكن هناك ما يشغله، أما العقل فموجود ليتساءل إذا ما كان لليل هذه النوعية من الأفلام (وكلها جديدة من إنتاج النصف الأخير من العام الماضي) من آخر.

الحديث بأن هذا ما يريده الجمهور ليس واقعيا ولا دقيقا. ها هي غالبية هذه الأفلام تسقط في عروضها التجارية. ونجومية الممثل - إذا ما حصلت - تخدمه لفيلمين أو ثلاثة ثم تتساقط مثل أهداف الرماية الطائرة. الحديث بأن هذا النوع هو الذي لديه قاعدة جماهيرية أوسع ربما أقرب إلى الصحة لأنه لا يلغي الفئة الكبيرة الأخرى التي لا تجد أفلامها المفضلة معروضة في الصالات إلا فيما ندر.

طبعا كثيرا ما يحدث أن يجري عرض فيلم جيد على الجمهور العريض ويفشل (آخرها ربما فيلم «هرج ومرج» لنادين خان)، لكن هذا الفشل مرده عدم التواصل في عرض الجيد ومعاملة الفيلم النوعي كعمل خاسر قبل عرضه، ما يحرمه من الدعاية الصحيحة والإعلانات وحملات الترويج.