الفن بلا تقدير

محمد رضا

TT

نحن، العرب، متقدمون في مجالات لا يمكن نكرانها، لكننا متأخرون في مجالات لا يمكن أيضا نكرانها. سأمضي عن تلك المجالات المتقدمة لأنها كامنة في نطاق لا أتعاطاه، مثل الشؤون الاقتصادية والصناعية والسياحية والعمرانية، فهناك الكثير من هذه الإنجازات والأكثر منها قادم إذا ما سارت الأمور على خير وجه، إن شاء الله.

لكن من بين تلك التي ما زلنا متخلفين فيها المجالات الفنية بكاملها، وبعضها مرتبط بمجالات ثقافية، هذه الأخيرة فيها قدر من التخلف ما يزيد الأولى تخلفا؛ ففي الثقافة هناك نزعة للشعر في مكانها الصحيح، ولو أن مجال تصديره بات محدودا، كما أن الغياب الحاصل نتيجة غياب بعض أبرز شعراء العربية ما زال غير معوض حتى الآن.

لكن يكفي أننا بتنا قوما لا نقرأ الكتب ولا نكترث لأن نقرأها لندرك أننا لا نستطيع أن نستمر على هذا المنهج من دون عاقبة ستطال الجيل المقبل الذي يفهم كل شيء في الديجيتال ولا شيء في الأدب أو الرواية أو الشعر أو أي نص درامي أو مجرد معلوماتي آخر. بما أن الفنون هي من الثقافات وإليها تستند في الارتقاء بسدة ما تقدمه، فهذه هي أيضا مصابة بعضال كبير أيضا. لا الموسيقى ما زالت موسيقى ولا الغناء ما زال غناء ولا المسرح لا يزال موجودا ولا سواها من عناوين الفنون المحلية التي كنا بدأنا، في عهود مضت، نمارس فيها إبداعات جليـة.

أقول ذلك لأنه في الوقت الذي تتنافس فيه الدول الكبرى على منح الفنون جوائزها في المسرح وفي التلفزيون وفي السينما، ما زلنا لا نملك هيئة مستقلة واحدة تشبه في تكوينها ومعطياتها أيا من تلك المؤسسات.

هل تعلم أن هناك نحو خمسين مؤسسة دولية حول العالم (في أميركا وأوروبا وآسيا وأستراليا ونيوزيلندا) تمنح جوائزها السنوية في المسرح؟ من بينها مؤسسات في دول وليدة نسبيا مثل صربيا وسلوفاكيا.

سينما؟ لا داعي لذكر قائمة بأكثر من مائة هيئة ومؤسسة دولية على امتداد هذا العالم (باستثناء العالم العربي والقارة الأفريقية) توزع تقديراتها وجوائزها كل عام، بل تتنافس كل منها ليكون لها ذلك الحيـز الإعلامي والحجمي، ولو أن قلة منها فقط، مثل أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، موزعة الأوسكار وأكاديمية فنون السينما والتلفزيون البريطانية موزعة البافتا وبضعة أخرى، هي الأكثر شهرة.

نحن لسنا لدينا مسابقة عربية تقيمها مؤسسة واحدة (مستقلة أو بمساعدة حكومية) لا في شؤون المسرح ولا في شؤون السينما ولا في الشؤون الفنية شاملة. ما يخلقه ذلك من وضع هو المزيد من المشكلات التي يعيشها الفن العربي. تعتيم على الإبداعات وانهزام الأعمال غير المبدعة على حد سواء. وفي حين كان الأمل أن يرتفع الفن الجيـد ويتطور بتطور المتلقي له، بتنا الآن في وضع الفن الجيد ما زال ضئيلا والفن السائد لا يـباع إذ خسر معظم جمهوره. لا جوائز سنوية محترمة وصارمة لا تقدم لأي فن من الفنون لأن من حق الفنان أن يسعى للحصول على تقدير المتخصصين في مجال فنـه.