دراما وتمثيل: امرأة نصفها ظاهر

محمد رضا

TT

شكلت مسرحية «أيام سعيدة» للكاتب الآيرلندي سامويل بيكيت تحديات على من حاول معالجتها على الخشبة من قبل، وتشكل اليوم، والمحاولة تعود، ذات التحديات.

وصفت حين أنجزها الكاتب عام 1961 بأنها طليعية، وتألفت من فصلين. وأول تقديم مسرحي لها جرى في نيويورك في العام ذاته، وأول تقديم لندني لها جرى في العام التالي (1962). الآراء حولها حين عرضت في لندن كانت أكثر سخونة وانقساما من العرض النيويوركي لها. البعض وجدها من أفضل كتابات المؤلف، والبعض الأكثر أعاب عليها أنها أكثر تعقيدا مما يجب.

الآن تعود المسرحية إلى الظهور في لندن في إنتاج جديد. ليس هناك خروقات فنية فيه بل عودة إلى استيحاء النص بأمانة. فصلان جيدا التنفيذ من المخرجة نتالي أبراهامي يستند إلى تصميم فني دقيق من فيكي مورتيمر وإلى تمثيل جيد من جولييت ستيفنسون.

كما بدأ بيكيت مسرحيته، يبدأها النص الماثل حاليا: ويني (الاسم الغريب نوعا للشخصية الأساسية) مدفونة حتى منتصف جسدها بالرمل. بالنسبة للكاتب فإن الرغبة هي رمزية. المرأة التي تجاوزت سن الشباب قد ترمز إلى كل نساء الأرض. والنصف المدفون من جسدها هو ما مضى من زمن ما زالت فيه المرأة تحاول أن تحقق وجودها وطموحاتها. الأرض بالتالي هي الحياة. صحيح أن هذه الاستنتاجات أقرب لأن تكون تلقائية لكنها ليست عفوية. والمسرحية الجديدة توفرها كما هي بما في ذلك عدم محاولة استقراء الماضي. ففي النص الأصلي لا يوجد سبب يوضح كيف وصلت ويني إلى هذا الوضع، كذلك الحال في المسرحية الحالية (وربما في معظم النسخ السابقة منها). أيضا، ستمثل ستيفنسون دورها في الفصل الأول بنصف جسدها مطمورا ونصفه ظاهرا.

في الفصل الثاني ستمثل بعنقها ورأسها فقط، كذلك حسب النص الأصلي. هذا فعل صعب على الممثل لأسباب بدهية من بينها أن عليه (أو عليها في هذه المناسبة) أن تخاطب الجمهور من داخل وضعها وليس بالتغلب عليه أو توظيفه وبالتالي استمرار قوة فعلها خصوصا في الفصل الثاني. وما هو أصعب على المخرج أن عليه أن يحول رمزيات من الأسهل كتابتها في نص إلى رمزيات تبقى ملحة من ناحية أخرى من دون أن تسقط في مطب كوميدي هنا أو تراجيدي مكشوف أو مباشر هناك.

ما هو تحد أكبر - على الأرجح - هو المحافظة على فكرة سادت المسرحية كما وضعها بيكيت: الحفاظ على خط واضح من الأمل والتفاؤل في الوقت الذي أسس فيه لشروط حياة صعبة: ليس فقط أن بطلته لا تتحرك كاملا، والرمال التي تطمرها تبقى ظاهرة طوال العرض، بل إن اليوم هو نهار دائم. ويني تنام وتصحو خلاله، ليس لأن الأحداث تقع في القطب الشمالي مثلا بل لأن الحياة، في هذا المنظور، لا تعرف النهار والليل، ولأن السرمدية هي الغالبة. لكن كيف تصنع عملا متفائلا من وضع كهذا؟

بيكيت اعتمد على النص والحوار ذاتيهما للغاية وفي الأساس على تفاؤل بطلته نفسها وتعاملها «الطبيعي» مع الحالة الصعبة التي تعيش فيها.

التصميم الفني في الإنتاج الجديد مهم جدا لأن عليه أن يختصر صفحات ومسافات. للغاية جرى نشر الرمال لا حول الممثلة وفوقها فقط، بل بعدها أيضا. بذلك ضمن العمل سرمدية الوضع بلغته الخاصة.