دراما وتمثيل: أي واقعية؟

محمد رضا

TT

طالما سمعنا عن المخرج الذي يمهـد للحديث عن ممثلي مسرحيـته أو فيلمه بالقول إنه اختار مجموعة من الهواة وغير المحترفين للعب الأدوار الماثلة. وتبريره لذلك عادة ما يكون من نوع: «أردت الاستعانة بمن لا خبرة لهم لكي أنقل نبض الشارع» أو «قررت أن هؤلاء هم أفضل من يجسد الواقعية التي أطمح إليها».

على هذا الأساس نفهم أن المسرحية أو الفيلم ليسا سوى محاولة لنقل نبض الشارع وتجسيد واقعيـته خدمة لـ...؟ لا أعرف تماما.

السينما أكثر إمعانا في هذا المنوال من المسرح. لا تستطيع أن تغامر، على الخشبة، بممثل لم يسبق له أن عرف ماهية الدراما. ربما الغناء يختلف؛ كون المغني إذا لم يكن صاحب خبرة، لا يستطيع البرهنة في امتحان واحد على قدراته الأدائية والصوتية وتقديم وصلة غنائية جيـدة قبل ظهوره على المنصـة أو أمام كاميرات التلفزيون. لكن الممثل الذي لم يمثـل من قبل عادة، وبحكمة، ما عليه أن يبدأ الظهور في الأدوار الخلفية ليتقدم منها (أو ليبقى فيها إذا ما لم يثبت نجاحه).

لكن في السينما هذا المنوال كان دائما منتشرا.

وهو مناسب للأفلام التسجيلية أو التوثيقية حيث، بطبيعة الحال، لا يمكن الطلب من محمود حميدة أو توم هانكس أو جولييت بينوش، أن يمثـل أحدهم في فيلم تسجيلي فيتقمـص شخصية عليها أن تبقى منتمية إلى الواقع بكامله، لكنه ليس مناسبا في معظم حالات الفيلم الروائي... بل ليس ضروريا.

هل حقق المخرج الراحل صلاح أبو سيف واقعية أقل في «شباب امرأة» (1956) عندما أسند بطولة فيلمه الواقعي ذاك إلى ممثلين معروفين (تحية كاريوكا، شكري سرحان، عبد الوارث عسر... إلخ)؟ طبعا لا. على العكس تماما فإن الاستعانة بغير ممثلين للعب أدوار درامية باسم أن يحافظ الفيلم على واقعيـته قد يؤدي إلى عكس ذلك تماما وإلى إصابة الفيلم بوعكة خطيرة يبدأ وينتهي بها.

ليس كل فيلم أسندت بطولته إلى ممثلين غير ممثلين، على طريقة فيتوريو ديسيكا في «سارق الدراجة» (1948) نجح في أن يكون فيلما واقعيا.

ثم إن مفهوم الواقعية مفهوم مطـاط إلى حد بعيد. من ناحية ينص على عناصر أساسية مثل نزول الكاميرا إلى الشوارع عوض التصوير في الاستديو، لكن هذا يحدث كل يوم مئات المرات في السنة، ومن ناحية ثانية يحد من الفعل الدرامي فيصبح العمل راضخا لمعايير مختلفة. يصبح لزاما عليه، مثلا، أن يلغي التصاعد الدرامي لأن الحياة في الواقع ليست كذلك. معظمنا لا يشهد «صعودا دراميا» في حياته أكثر من مرة كل عشر سنوات. ألا يعني ذلك أن على المخرج الالتزام بذلك؟

الحياة أكثر مللا بالنسبة لكثيرين منـا مما يتبدى على الشاشة. صاحب محل الخضار الذي يفتح صباحا ويغلق مساء ويتعامل والزبائن ويزن المشتريات ويقبض ويصرف... كل يوم. موظـف المصرف الذي يجلس وراء مكتبه يراجع ويحصي ويراسل ويؤم الاجتماعات كل يوم. كذلك حال الطبيب وسائق سيارة الأجرة والأستاذ والمنظـف وصاحب المقهى وزبونه.

من يريد الواقعية أساسا في السينما؟ نبحث في ذلك لاحقا.