الشبكات التلفزيونية الأميركية تحولت من ناقل للخبر إلى شريك في الصراع

تلوين الأخبار بمسحة إضافية من الوطنية لتبدو مؤيدة للحرب ومتعطشة للانتقام تلبية لرغبات الشارع

TT

فتحت شبكة فوكس التلفزيونية والمملوكة لمؤسسة الاخبار وصاحبها روبرت ميردوخ، جدلا واسعا حول الرسالة الاعلامية وحدود التميز والحيدة التي يمكن او يفترض ان يتحلى بها الاعلامي. ويجيء هذا الجدل الممتد الى الآن على خلفية تغطيات الشبكة لحرب اميركا على الارهاب واسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة» بعد ان اقحم مراسلو الشبكة انفسهم في التغطيات كطرف اصيل وليس مجرد ناقل، ولذلك اصبح بن لادن بالنسبة لهم وبصورة ثابتة ملازما لأوصاف مثل الوحش وحقيبة القاذورات ووكر الحقد، فيما لازمت مؤيديه في طالبان والقاعدة اوصاف اخرى مثل حمقى الارهاب ورجال الحظائر والشياطين.

الى ذلك اصبحت الشبكة ومنذ احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي كما لو انها مقر الرئاسة للتغطيات الطامحة لارضاء المشاهدين عبر تلوين الاخبار بمسحة اضافية من الوطنية والى حد اجبار الشبكات الاخرى لتبدو مؤيدة لجهود الحرب ومتعطشة للانتقام، خاصة بعد ان فتحت الشبكة لمراسليها وكتابها الابواب على مصاريعها ليصبوا جام غضبهم وانفعالاتهم على القصص الخبرية، وبصورة تذكر بمواقف صحف التابلويد البريطانية المسبقة من بعض القضايا.

من امثلة ذلك قول مراسل الشبكة جون غبسون في برنامج القصة الكبرى: على المحاكم العسكرية التي انشئت في اميركا ان تقوم بارسال الرسالة التالية للارهابيين وتقول لهم لن يكون هناك حلم بالنجاة لكم.. عليكم ان تستسلموا ولن تكون هناك نماذج للمرافعات. لا ليس هذه المرة... الخ.

ومن العجب ان تغطيات الشبكة ورغم ما تثيره من انتقادات تتعلق بمفاهيم ومثاليات التغطية الصحافية، اكسبت الشبكة انتشارا في المشاهدة تخطت فيه في بعض الحالات شبكة CNN المشهورة، مما جعل الاخيرة وبعد وقوفها على سحب فوكس البساط من تحت اقدامها توجه مراسليها بالاشارة لأحداث 11 سبتمبر خلال اي عرض للضحايا والقتلى من جراء القصف في افغانستان وتقول لغة الارقام ان متوسط مشاهدي فوكس وهو 744 الف مشاهد في اية لحظة قد ارتفع بنسبة 43 في المائة.

بين عناصر الجدل اثارة الدور الذي يتحتم على الصحافة التلفزيونية ان تلعبه بكل مستحقات مثل ذلك الدور من النواحي المهنية والاخلاقية.

ويدافع مسؤولو فوكس عن خطهم الاعلامي ويقولون ان اعطاء طرفي المعادلة في الحرب ضد الارهاب نفس المساحة ونفس درجات المصداقية يفقد المرء حاسة التفريق بين الخطأ والصواب، وان الذي يحاولون توصيله للمشاهد هو ان الارهاب شر وان اميركا ليست متورطة فيه بل اولئك الارهابيون. ويعترف بيرت هيوم مقدم برنامج التقرير الخاص بأنه ظل يتحاشى اعطاء وزن للخسائر في اوساط المدنيين في افغانستان ويقول: حسنا، الناس يعرفون ان الحرب كريهة، واننا في حالة حرب، فهل ستكون هناك اخبار عن ان الناس يموتون وان التغطية لا بد ان تكون متوازنة بالنسبة للطرفين..؟ اعتقد لا..» وتلك اجابته.

في المقابل يتذرع فريق آخر من المسؤولين بأنهم قد حملوا الحكومة الاميركية بعض المسؤولية عند اللزوم، ويقدمون الامثلة لذلك بتغطيات انتقدت وزير العدل جون آشكروفت ووصفته بالسرية وعدم التفاعل، في مقابل انتقاد آخر للجنرال تومي فرانكس قائد القوات الاميركية في افغانستان وصفته فيه بأنه مثل انسان مكتوف الايدي في مجال حقل العلاقات العامة. ولكن مسؤولين آخرين يقولون انهم وبصفة عامة ليسوا ضد اميركا ولكنهم يقرون بأنها ليست مخطئة في الاساس لان التغطية المتوازنة في مثل هذه الحالات تقترب من الوقوع في اسوأ حالات الاختلاف الثقافي.

اما على صعيد الانتقادات لمثل هذا المنهج، فيقول اليكس جونز، مدير مركز جون شورنستين للصحافة والسياسات العامة بجامعة هارفارد، ان تغطية الاخبار بمثل هذا المنظور الاميركي الرسمي تكون شبكة فوكس قد فشلت في ايضاح التطور القائم على دوافع الآخر، واحسب ان ما يحتاج الناس الى معرفته هنا هو فهم ما يدور في طرف المعادلة الآخر وما هي الانتقادات الموجهة اصلا لاميركا لدى ذلك الآخر. ويرفض ايلز، احد مقدمي البرامج بفوكس، مثل هذه الملاحظة ويقول: لا يمكن لنا ان نجلس مندهشين ونحدث انفسنا متسائلين عما اذا كان الخصم قد تعرض لسوء في الفهم خلال سنوات طفولته. فنحن نعرف العدو وهو عدو واضح وحدد هدفه وهو قتلنا. ويضيف ايلز قائلا: لا اظن ان هناك مقارنة في الاصل بين الديمقراطية والارهاب ولا رباط اخلاقيا بين الاثنين، واذا كان التحيز على خلفية هذا المفهوم يجعلنا نظريا محطة سيئة فاننا وعلى ارض الواقع نسجل صعودا في الاستطلاعات لأن 30 في المائة من الاميركيين يريدون من المعلقين ان يتخذوا موقفا مؤيدا لمواقف الحكومة خلال تغطياتهم.

ومع ذلك فرجل مثل ديفيد وستن رئيس شبكة ABC حريص على حياد مراسليه ومعلقيه لأن الشعب الاميركي يريد وإلى اللحظة بعض المصادر الموثوقة لأخباره وهو يريد ان يرى شبكة التلفزيون التي يشاهدها تقدم مثل ذلك الطلب على وجه صحيح اكثر من رغبته في رؤيتها تدافع عن أي قضية لمجرد انها اميركية، ولذلك فنحن في شبكتنا لا نريد ان نقتاد الاميركيين للاستنتاج المطلوب سلفا حول هذه الهجمات الارهابية البشعة.

ولا يزال الجدل مستمرا.