أسئلة محتارة

محمد رُضــا

TT

أين يبدأ تاريخ السينما.. في أي بلد؟

في العرض الأول لأول فيلم محلي، حتى ولو كان هو الفيلم الثاني إنتاجا وليس الأول؟

أو في العرض الأول لأي فيلم، محليا كان أو عالميا؟

هل يبدأ بالأفلام القصيرة كونها عادة ما تكون أول ما تصل إليه أيدي صانعي الأفلام؟

هل تراه يبدأ بالفيلم الذي يحققه مخرج من البلد ذاته أو لا تهم هوية المخرج، والمهم هو مكان تصوير الفيلم؟

كثيرة هي الأسئلة التي من هذا النوع، والتي لا تزال محور نقاش بين المعنيين والنقاد. المشكلة هي أن لكل وجهة نظر ما يؤيدها. حديثا، وعلى سبيل المثال فقط، دار النقاش حول إذا ما كان الفيلم يكنـى بهوية المنتج أو هوية المخرج. والانقسام يكاد يكون نصفيا تماما. الفريق الأول يـعيد الهوية إلى صاحب رأس المال (فردا أو شركة)، والفريق الثاني إلى هوية المخرج.

إذا كان الفريق الأول هو المحق، فماذا نقول عن المال متعدد الرؤوس الذي يجري عبره إنتاج العديد من الأفلام هذه الأيام (أكثر من النصف). وإذا كان الفريق الثاني هو المحق، فهل يعني هذا أن أفلام ألفرد هيتشكوك التي صورها في الولايات المتحدة بأموال أميركية، بريطانية، لأنه بريطاني المولد والنشأة؟

أكثر من كل هذا، هناك ذلك الإشكال حول بداية السينما ذاتها.

إذا كانت السينما بدأت بتاريخ الصورة المتحركة، فإن فيلم «مشهد من حديقة راوندهاي» سنة 1888 هو الفيلم الأول في التاريخ. حدث ذلك حينما قام الفرنسي لويس آيمي أوغستين لو برينس (1842 - 1890) الذي تزوج بريطانية وعاش في مدينتها ليدز بتصوير هذا الفيلم (واحد من ثلاثة قام بتصويرها في العام نفسه) وبهذا، وعلى عكس المنتشر، تكون السينما ولدت هنا.

لكن البعض لا يزال يفضل اعتبار أن السينما ولدت على أيدي الأخوين لوميير، عندما قاما في شهر ديسمبر (كانون الأول) سنة 1895 (خمس سنوات بعد وفاة لو برينس) بتقديم عروض لـ11 فيلما قصيرا (كلّ من بضع ثوان) للجمهور مقابل تذاكر مبيعة.

فما الحقيقة؟

ربما علينا التفريق بين تاريخين متلازمين؛ الأول هو تاريخ السينما، والثاني هو تاريخ الأفلام.

تاريخ الأفلام عليه أن يبدأ بذلك الفيلم الذي نفـذه لو برينس سنة 1888 لا محالة، بل ربما يمكن إضافة التجارب التي سبقته بعامين أو ثلاثة. ولا ننسى أن لو برينس دفع حياته ثمنا لاكتشافاته وموهبته، إذ استقل القطار من مدينة نيس عائدا إلى باريس ذات يوم. وصل القطار ولم يصل معه المخرج.

أما تاريخ السينما، فهو الأشمل، ويتضمن جوانب عديدة: الجانب الأدواتي والجانب التقني - التصويري المتعلق بالكاميرا وآلة العرض، والجانب الفيلمي منذ أن كان يتم على شرائح الألمنيوم، إلى ابتكار الفيلم الخام المعمول به إلى اليوم وابتكار الديجيتال الحالي. كذلك يتضمن الجانب الفني بفروعه من تلك البدايات الأولى لتشكيل مفاهيم التمثيل والإخراج والكتابة والمونتاج للفيلم.

يتضمن كذلك الجانب الجماهيري، من العروض الأولى إلى انتشار التيارات ونظم الأنواع السينمائية والإنتاج حسب النوع السائد أو الخروج عن ذلك. الجانب الفكري، ذاك الذي يتناول مسائل العلاقة بين الفيلم والقضايا فردية أو اجتماعية أو كونية، فلسفية أو وجودية أو نفسية.. إلخ. كذلك يتضمن الجانب الإبداعي، وهذا يشمل، فيما يشمل، البحث في السينمائيين وتواريخهم المهنية ومدارسهم وتأثيراتهم.

كل جانب من هذه الجوانب يتفرع إلى ما يشكل الحديث فيه بحوثا منفصلة، كون السينما في مجملها هي جمع كل هذه الفنون معا، وانصهارها في شتى التيارات والاتجاهات.

على هذه الغزارة في المعطيات.. السينما بدأت فيلما ولم تبدأ صناعة.