شعبان عبد الرحيم يقدم مفهومه للعولمة بالتعاون مع داوود عبد السيد

فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» يجسد فكرة العولمة في صورتها الواقعية بأسلوب ضاحك جدا

TT

السينما المصرية رصدت مبكرا آثار العولمة التي يبذل اصحابها اقصى مجهود يمكن ان يتوصلوا اليه لضم العالم كله تحت جناحها، ومن يرفض أو لا يستطيع التعاون معها فليذهب الى الجحيم. وأحدث افلام المخرج داوود عبد السيد «مواطن ومخبر وحرامي» يرصد ظاهرة العولمة لكن بطريقة مليئة بالكوميديا السوداء، بالضحك الذي يبكي المتفرج على احوال الواقع المرير الذي يمكن ان يعيشه العالم كله في ظل سيدة العالم الاولى «العولمة». وعنوان الفيلم مثير للدهشة، وربما للاستغراب. ترى ما هي العلاقة التي يمكن ان تجمع بين الاطراف الثلاثة في ظل الظروف الواقعية الا اذا كان هناك دافع قوي ومؤثر يمكن ان يجمع بين المصالح المتضادة بين ثلاثتهم وهو بالتأكيد المصلحة المشتركة.

ربما اعتقد بعض المشاهدين الذين سمعوا عن هذا الفيلم عندما كان داوود عبد السيد يقوم بتصويره انه من نوعية افلام الابطال الثلاثة التي كانت منتشرة في الستينات وتتميز بخفة الظل والاثارة والضحك، خاصة اذا كان ابطالها السندريللا الراحلة سعاد حسني وحسن يوسف واحمد رمزي، فالمخرج داوود عبد السيد الذي اعتادناه متصديا للمشاكل والقضايا الاجتماعية الساخنة مثل «الصعاليك» و«أرض الخوف» يستعين في هذا الفيلم بالمطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم صاحب القاعدة العريضة من المستمعين الذين تعاملوا معه كأنه نكتة مضحكة لكنهم بعد ذلك اعتادوا سماعه، بل يتسابقون في سماع احدث شرائطه، واعتقد البعض ان داوود يستثمر شعبية هذا المطرب «الظاهرة» لتحقيق ايرادات عالية، لا سيما ان هذا المطرب الذي كان يعمل مكوجيا الذي ظهر قبل اكثر من عشرين سنة عندما غنى «كذاب يا خيشه كذاب قوي» عندما قام صدام بغزو الكويت وازدادت شعبيته اكثر عندما غنى اغنيته الشهيرة اخيرا «أنا بحب عمرو موسى وأكره اسرائيل».

وفي العرض الخاص للفيلم ادركنا الفكرة الرائعة والماكرة التي قدمها داوود عبد السيد مغلفة بالكوميديا السوداء من خلال الابطال الثلاثة، المواطن ـ خالد أبو النجا ويجسد شخصية سليم، والمخبر ـ صلاح عبد الله ويجسده شخصية فتحي، وشعبان عبد الرحيم ويقدم شخصية الحرامي. وعندما يكتشف المواطن سرقة الرواية الادبية التي كتبها بخط يده واستنفدت سنوات كثيرة من عمره وهي الخادمة التي احضرها له المخبر وتقوم بدورها الفنانة التونسية هندي صبري وتجسد شخصية «حياة» ويذهب المواطن الى المخبر يشكو له خيانة الخادمة ويبذل المخبر جهوده للعثور على القصة، ويكتشف انها اعطت الرواية الى «أشرف» الحرامي الذي اعتاد قراءة الاعمال بطريقته الفطرية حتى يتعلم منها، ومن هنا يبدأ اول الخيط الذي ينسج العلاقة بين الابطال الثلاثة وتصبح اكثر التحاما عندما تزداد الاحداث سخونة ويصل الامر الى قيام هؤلاء الثلاثة بعمل «شراكة» بينهم، وتكوين شركة لطبع الكتب، بل امتد الامر الى ابعد من هذا عندما حدثت مصاهرة بين المواطن والحرامي، عندما تزوجت ابنة الاول من ابن الثاني، ويقام حفل في نهاية الفيلم للاحتفال بحصول المواطن على جائزة الدولة التقديرية، تقديرا له عن مجمل اعماله، ويغني شعبان عبد الرحيم الاغنية التي تحمل اسم الفيلم «مواطن ومخبر وحرامي»، ويرقص الابطال الثلاثة رقصة الماكارينا المعروفة وتحمل معاني سياسية كثيرة جدا، خاصة الكوبليه الذي يقول فيه «أنا باحب المعاهدات والسلام» فهو مليء بالرموز خاصة السياسية، فشعبان عبد الرحيم يرتدي عصابة على وجهه بعدما يفقد احدى عينيه مثلما كان يرتدي موشى ديان بالضبط، كما انه يرتدي فانلة مخططة بالعرض تماما مثل اشكال الفانيلات التي يرتديها اللصوص.

الفيلم ربما يقرأه المشاهد العادي بالمعنى البسيط الذي يطرحه باعتباره يناقش الحرية ورحلة الصعود الى التسامح بين الفئات المتصارعة. لكن داوود عبد السيد استخدم اسلوب «المعنى في بطن الشاعر» وقدم رؤيته السينمائية لخطر العولمة القادم لا محالة، عندما تجتمع الاطراف المتنافرة في بوتقة واحدة، بسبب تشابك المصالح.

داوود عبد السيد يراهن على ابطال الفيلم وجميعهم ليسوا نجوم شباك، فخالد أبو النجا المذيع التلفزيوني أدى دوره باتقان بتوجيه من داوود عبد السيد، فكان لافتا للنظر ويعيبه «تون» صوته الذي كان نمطيا في كل المشاهد. اما صلاح عبد الله فقد خطف الانظار من المشهد الاول الذي ظهر فيه، حيث استطاع ان يقدم دور المخبر التقليدي الذي يدس انفه في ما لا يعنيه، وكان اختيارا موفقا جدا لتجسيد الشخصية. اما شعبان عبد الرحيم فكان المفاجأة الحقيقية لأنه ظهر على الشاشة طبيعيا كما نراه في البرامج التلفزيونية التي يكون فيها ضيفا. وظهوره لأول مرة امام شاشة السينما بهذا الشكل ينبي عن مستقبل قريب له في السينما وربما يصبح الظاهرة السينمائية الملحوظة في السنوات القريبة القادمة. ومن أهم المشاهد التي قدمها بقوة وكانت ايضا اكثر المشاهد سخونة ورمزية ما دار بينه وبين المخبر والمواطن حول مفهومه لنوعية الكتب التي يحب ان يقرأها فهو يفضل الروايات المفيدة غير الكافرة التي تقدم النصيحة للقارئ، ويرفض غير المفيد منها بل يعتبرها وقوداً للنار لعمل الشاي والقهوة، ويصرح للمواطن بأنه قام بحرق روايته لأنها على مدى 20 سنة لا يقدم في أحد أحداثها رجلاً يصلي أو أذاناً يرتفع في السماء.

أما هندي صبري، فقد اثبتت للمرة الثانية من خلال التجربتين اللتين قدمتهما للسينما المصرية «مذكرات مراهقة» و«مواطن ومخبر وحرامي» انها تمتلك امكانيات تمثيلية هائلة. ومن المتوقع ان يحقق الفيلم ردود افعال هائلة في الأوساط السياسية والاقتصادية، وربما تتفق مع داوود في طرحه للعولمة بهذا الأسلوب.