رئيس قسم البرمجة في التلفزة المغربية: خمس عشرة سنة من إشراف الداخلية على الإعلام حطمت التلفزة

TT

تعتبر البرامج التي تعدها وتنتجها القناة الاولى الرسمية المغربية مادة دسمة للانتقاد في الصحافة المحلية، وإذا كان بعض هذا النقد مبررا نظرا لضعف ما تقدمه القناة الاولى في المغرب فإن البعض منه لتصفية الحسابات الشخصية كما يذهب الى ذلك محمد الضو السراج رئيس قسم البرمجة في التلفزة المغربية الذي التقته «الشرق الأوسط» وكان هذا الحديث:

* هناك انتقاد حاد في الصحافة المغربية لبرامج التلفزة المغربية، كيف تفسر هذا الهجوم العنيف من قبل الصحافة على كل ما تنتجه التلفزة الرسمية؟

ـ أنا مع مبدأ توجيه الانتقاد لبرامج التلفزة لكن على ان يكون هذا الانتقاد موضوعيا، فأغلب الاخوة الذين يكتبون في الصحافة الوطنية ينتقدون الانتاج التلفزي، لا يعرفون تقنيات ولا وسائل وأسلوب العمل داخل اجهزة السمعي البصري، وأغلب هذه الكتابات هي بصفة عامة اما عبارة عن تصفية حسابات او انتقادات غير مبنية على معطيات دقيقة، وقليل من الانتقادات يمكن ان تصفها بكونها موضوعية، انا مع توجيه النقد للتلفزة، لأن النقد الايجابي يساعد على تجاوز السلبيات ويساهم في تحسين الانتاج.

* ولماذا لا تقول ان هذا النقد الحاد فرضه تردي مستوى بعض البرامج التي تقدمها التلفزة والتي يصفها هذا النقد بالرديئة، فهل تتفق مع هذا التوصيف؟

ـ لا أتفق مع هذا الوصف، وقبل ان نصدر الاحكام الجاهزة لا بد من الاطلاع على ظروف واساليب العمل التي اعطت مثل هذه البرامج، فمنذ سنتين تولت ادارة جديدة تسيير التلفزة المغربية، ووضعت هذه الادارة من بين اهدافها تشجيع الانتاج الوطني وابرازه وتسجيل اكبر نسبة من هذه البرامج ضمن شبكة برامج التلفزة، وتحقيق هذا الهدف تقف امامه العديد من العراقيل وأهم هذه العراقيل تتمثل في التمويل لان جهاز التلفزة المغربية مؤسسة عمومية تخضع للمراقبة القبلية لوزارة المالية مما يعني ان اي عمل روائي او وثائقي او سهرة يخضع لمراقبة وزارة المالية، وهذا الامر يتطلب وقتا كبيرا لانجاز الاجراءات الادارية، فالعرقلة المالية والادارية تقف حاجزا امام تطوير الانتاج التلفزي بالقناة الاولى المغربية. وبالاضافة الى هذه العراقيل الادارية والمالية تنتصب امام كل انتاج فني او درامي عراقيل تقنية، فبعد خمس عشرة سنة من اشراف وزارة الداخلية على التلفزة المغربية تركتها مدمرة على المستوى التقني والبشري، فقبل سنتين كانت التلفزة المغربية تعمل بالنظام التماثلي، ومنذ تولي الادارة الجديدة كان اول ما قامت به هو تغيير هذا النظام بالنظام الرقمي، وهذا يدخل في اطار استراتيجية جديدة للتلفزة المغربية. اما العنصر الثالث للاجابة عن السؤال الذي طرحته فيجب ان نتركه للزمن، لأن الارتقاء بمستوى الانتاج يتطلب وجود تراكم وهذا التراكم لا يمكن ان يتحقق الا في زمن.

* تتحدث عن تركة وزارة الداخلية وكأن عهدها في الاشراف على الاعلام الرسمي قد ولى، في حين ان الكل بما في ذلك حتى وزير الاعلام في الحكومة الحالية الذي توجد التلفزة تحت وصايته، يقر باستمرار خروج هذا الجهاز من تحت سيطرة يديه، اليس في هذا تناقض مع ما تقوله؟ ـ الداخلية كوزارة لم تعد هي الوزارة الوصية على الاذاعة والتلفزة منذ ان فصلت وزارة الاعلام عن وزارة الداخلية، لكن اذا كنت تقصد استمرار وجود عناصر تابعة لوزارة الداخلية بالجهاز فهذا موضوع طويل جدا ويمكن ان نتحدث عنه بتفصيل لو أردت. وعودة الى موضوع التراكم اقول خلال السنتين الماضيتين تمكنت التلفزة المغربية من تحقيق تراكم لا بأس به على مستوى الانتاج الفني والدرامي وذلك في ظل الوضعية الادارية والمالية السلبية التي تحدثنا عنها سابقا، والملاحظ ان اغلب هذا الانتاج الدرامي غلب عليه طابع الفكاهة، وكما تتبع المشاهدون فقد ساهم في تنشيط هذه الاعمال اغلب ان لم نقل كل الفكاهيين المغاربة، مما يعني ان المستوى الفني ومستوى الاخراج وبصفة عامة المستوى العام للعمل الدرامي، لا يمكن تحميل كل نتائجه للتلفزة المغربية، يجب ان نتساءل: هل وصلنا الى وضع ثقافي وفني قادر على انتاج اعمال في المستوى الذي ينتظره الجمهور؟ هذا السؤال على الاخوة الذين يحملون التلفزة المغربية كل المسؤولية في تردي الاعمال المعروضة بها، البحث له عن اجابات شافية.

* أين تكمن اذن مسؤولية التلفزة، اليست هناك شروط ومعايير معينة لقبول مثل هذه الاعمال؟

ـ بطبيعة الحال كل عمل مكتوب يكون متوفرا على الشروط المطلوبة في كل عمل فني، ويجب ان نعترف باننا في المغرب نعاني من نقص كبير في كتاب السيناريو. والتلفزيون كما تعرفون يستهلك بسرعة لذلك يتطلب السرعة في الانجاز، والاعمال عندما تكون مكتوبة تستجيب للمعايير والشروط المطلوبة، لكن عندما تتحول الى عمل مرئي ومسموع تعطي نقيض ما كانت عليه كنص مكتوب.

* ومن يفرض عليكم قبول بث مثل هذه الاعمال المشوهة ما دامت لا تستجيب للمعايير الفنية المطلوبة في كل عمل فني؟

ـ للوصول الى تحسين الانتاج لا بد من خلق تراكم في الانتاج، لانه لا يمكن الوصول الى الجودة بدون المرور بمراحل.

* التلفزة المغربية عمرها 40 سنة، ألم تستطع خلال كل هذا العمر تحقيق التراكم المطلوب؟

ـ التلفزة المغربية حققت تراكما نوعيا في الستينات والسبعينات، وكان هناك اقبال كبير على انتاج التلفزة المغربية خلال تلك السنوات، لكن ما حصل هو ان التلفزة في منتصف الثمانينات ارتبطت بوزارة الداخلية وظلت تحت وصايتها المباشرة 15 سنة، وكانت تلك ضربة قاضية لتطوير الانتاج التلفزي المغربي، لانه خلال هذه الفترة تحولت التلفزة الى جهاز امني تمارس الرقابة على كل انتاج فني وتمارس الضغط على كل اصحاب الافكار المبدعة. وكانت النتيجة هي تدمير التلفزة على جميع المستويات على الصعيد التقني والبشري والتكوين، واتضح الآن انه لا يمكن التخلص من هذه التركة الثقيلة والسلبية لخمس عشرة سنة من اشراف الداخلية على التلفزة خلال سنتين. لقد حاولنا خلال العامين الماضيين خلق تراكم نوعي وتقني في الانتاج الفني والدرامي، وتوفير برامج تكوين تقني للصحافيين والتقنيين، وتغيير البنية التحتية التقنية، ومحاولة اخراج التلفزة من طرق تسيير عتيقة جدا.

* تتحدث عن الاستراتيجية التي وضعتها الادارة الجديدة لتطوير التلفزية المغربية، أين تكمن ملامح هذه الاستراتيجية؟

ـ التلفزة المغربية جهاز عمومي تابع للدولة، وموازنتها العامة تسلم لها من قبل الدولة ويصادق عليها البرلمان، والعاملون بها موظفون خاضعون لنظام الوظيفة العمومية، لذلك فالتلفزة المغربية لا يمكنها ان تضع لنفسها استراتيجية خاصة بها، بما انها تمثل جزءا من استراتيجية الدولة، وكما نعلم فالدولة والحكومة لا تملكان استراتيجية واضحة خاصة بالتلفزة المغربية، فالتلفزة المغربية الرسمية تخضع الى ما تضعه لها الحكومة من استراتيجيات، ولا يمكن ان نفصل وضع التلفزيون المغربي عن الوضع الاعلامي في المغرب عموما الذي ما زال يتصف بالتخلف، فمن بين الاولويات التي سطرها التصريح (البيان) الحكومي عند تنصيب هذه الحكومة عام 1998، هي مجال الاعلام، لكن لحد الآن لم يتحقق اي شيء مما وعدت به هذه الحكومة في مجال اصلاح وتطوير الاعلام السمعي البصري العمومي.

* هل يتعلق الامر بغياب ارادة سياسية لانجاز هذا الاصلاح؟

ـ لو كانت هناك فعلا ارادة سياسية لانجاز الاصلاح الموعود لما استمر الوضع كما هو عليه، وإلا كيف تفسر ان مشاريع قوانين اصلاح التلفزة ما زالت تتعثر، فلو ان التلفزة الرسمية تحولت الى شركة تابعة للدولة يمكنها بتدبير جيد للمواد البشرية وبفضل الانتاج الجيد، ان تحقق اكتفاء ذاتيا، يغنيها عن اللجوء الى موازنة الدولة كما هو حاصل حاليا لتغطية عجزها.