مسلسلان لشخصية واحدة

د. ريموت بن كونترول

TT

تقاطعت السبل خلال مسلسلات رمضان ليس في الموضوع الواحد انما في الشخصية الواحدة، فقد كانت هناك رؤيتان حول شخصية الناصر صلاح الدين واحدة كتبها حاتم علي واخرجها نجدة انزور تحت عنوان «البحث عن صلاح الدين» والثانية كتبها الدكتور وليد سيف وشاهدناها بالاسم المجرد «صلاح الدين» دون بحث ولا تفتيش.

والحقيقة ان البحث التاريخي في مسلسل وليد سيف اعمق منه في عمل حاتم علي، أو لنقل من حيث التواجد الجغرافي. ان هناك رؤية أردنية لصلاح الدين تتقاطع مع الرؤية السورية الفلسطينية والجغرافيا احياناً تفرض نفسها على الدراما خصوصاً اذا علمنا ان سلوك الصليبيين في المنطقة اختلف في الساحل عنه في الداخل واليابسة.

لقد كان في الاردن على أيام الحروب الصليبية في مرحلة صلاح الدين مقاتل صليبي اسمه (رينو دي شايتون) تمترس في قلعة الكرك الاردنية وازعج المسلمين اكثر من غيره لأنه حاول ان يقطع طريق الحجيج اكثر من مرة وكان يعيش على نهب تلك القوافل، ومن كثرة جرائمه كان المقاتل الوحيد الذي رفض صلاح الدين ان يعفو عنه، بل أصر على ان يقتله بيديه انتقاماً للدماء البريئة التي سفكها.

وكان وليد سيف القريب من الكرك على معرفة بهذه التفاصيل كلها وحاول ابرازها في بعض المشاهد لكنه فشل كما فشل المسلسل الثاني في نقل دور فرسان المعبد بما يليق بهم، فقد كان لهؤلاء الفرسان الذين تمركزوا في قبرص دور مركزي في الحروب الصليبية وقد صنعت عنهم السينما العالمية اكثر من فيلم كان يمكن الاستفادة منها في المسلسلين العربيين عن صلاح الدين لكن ذلك لم يحدث لقلة الامكانيات ربما أو لقلة جهود البحث عن المادة الفلمية، فنحن نستسهل البحث التاريخي في بطون الكتب ونكسل حين يأتي دور الابحاث الاخرى، وفي تقديرنا فإن كل مخرج أو مؤلف يجب ان يشاهد ان استطاع كل ما تم انجازه سينمائياً وتلفزيونياً عن الشخصية التي يعالجها. وفي موضوع صلاح الدين ومرحلته هناك عشرات الافلام الغربية وفيلم عربي واحد منذ الخمسينات ليوسف شاهين. والظاهر ان وليد سيف وحاتم علي لم يشاهدا الكثير، فتأثير الافلام الاجنبية لم يظهر الا في الملابس، وصور الملابس متوفرة في الكتب والموسوعات ايضاً.

وحين تتقاطع رؤيتان حول شخصية واحدة يظهر الفرق او ـ يفترض ان يظهر ـ لكن ذلك لم يكن واضحاً تمام الوضوح.

ففكرة البطولة المطلقة تسيطر على المسلسلين لتخفي صفات صلاح الدين الاخرى، فهو في الواقع محب للسلم اكثر من حبه للحرب، ويلعب السياسة بقوانين ذلك الزمان حقناً للدماء وكي يحقق بالمفاوضات ما يعجز عنه بالحرب.

وفي ذلك الزمان كانت معظم المشاكل الشائكة تحل بالمصاهرة وحتى هذه حاولها صلاح الدين، فكتب التاريخ تخبرنا ان المفاوضات حول القدس في مرحلتها الأولى اشتملت على صفقة تزويج شقيقة ريتشارد قلب الأسد وهي أرملة ملك صقلية من الملك العادل شقيق صلاح الدين بشرط ان يتنازل صلاح الدين الأيوبي لأخيه العادل عن البلاد التي احتلتها قواته في السواحل مقابل ان يتنازل الملك ريتشارد عن البلاد التي احتلها في الداخل كصداق لأخته، وان تصير القدس ملكاً للزوج والزوجة بصفتهما محايدين.

وقد قبل صلاح الدين كما يخبرنا اكثر من مؤرخ بتلك الصفقة لكن الذين احتجوا رجال الدين الذين كانوا على الجانبين يستفيدون من تلك الحرب اكثر من غيرهم، فقد قال الذين على الجانب الصليبي: لا نقبل ان تتزوج اميرة مسيحية بأمير مسلم، وحرضوا البابا، ومازالوا يثيرون الفتن الى ان فشلت تلك المعاهدة بفشل ترتيب ذلك الزواج التاريخي.

ان التركيز على امثال هذه الحوادث بغزارة كان سيعطي المسلسلين نكهة مختلفة، فبلاط ملوك اوروبا في القرون الوسطى مليء فوق الملابس الملونة والفولكلور بالدسائس والنساء الجميلات وكل ذلك يدخل نكهة على المسلسلات التاريخية ما نزال نفتقدها رغم سوزان نجم الدين.

ورغم هذه الملاحظات العابرة لا نملك غير توجيه الشكر لمن حاول احياء ذكرى صلاح الدين وافكاره وبهذه السرعة، فها هو مصطفى العقاد يحاول منذ عشر سنوات اخراج فيلم عن صلاح الدين دون ان ينجح ويقول دائماً ان نقص التمويل هو السبب والواضح ان فرسان الدراما السورية والاردنية حلوا هذا الاشكال كيفما اتفق، فأحد المسلسلين ليس باذخ الانتاج أما الثاني ففيه معارك حقيقية كلفت الكثير، وربما كان الذين اطلقوه كمسلسل رمضاني يفكرون به كفيلم عن ذات الشخصية وهذه فكرة ممتازة، فعصر صلاح الدين يستحق الابراز لما حمله من التسامح والحوار الحضاري وما الى ذلك من الافكار النافعة لكل العصور.