عروض «الدراما» على الفضائيات تحسم الصراع المزعوم بين الدراما المصرية والسورية

إصرار الجهات الإنتاجية على تقديم أعمالها في الموسم الرمضاني حولها إلى سباق عشوائي وأضاع الكثير من فرص المشاهدة المركزة

TT

ليس مسلسل «عائلة الحاج متولي» وحده هو الذي سرق اضواء الشاشة الصغيرة في عروض شهر رمضان المبارك، بل كان الى جانبه عدة اعمال متميزة من الدراما المصرية التي شدت المشاهدين الى الشاشة على الرغم من انها ليست اعمالا مسلية ولا كوميدية، ومن اهمها:

ـ «بنات أفكاري» ـ بطولة محمود مرسي والهام شاهين.

ـ «للعدالة أكثر من وجه» ـ بطولة يحيى الفخراني ودلال عبد العزيز.

ـ «حديث الصباح والمساء» ـ بطولة ليلى علوي وعبلة كامل.

ونحن لا نطرح الموضوع هنا من المنطلق الذي طرح فيه سابقا واثار زوابع من الاتهامات والردود على صفحات الصحف، وصلت الى حد التجريح حول الصراع المزعوم بين الدراما السورية والدراما المصرية، وعما اذا كان تنافسا ام مجابهة.. اننا نحاول، وبموضوعية نرجوها، ان نرصد عروض الشهر الكريم الذي يتزاحم فيه منتجو الدراما لتقديم اعمالهم في هذه المناسبة التي تحظى فيها الفضائيات والارضيات بأعلى نسبة من ساعات المشاهدة وعدد المشاهدين.

* استدراك لا بد منه

* ولا بد هنا من الاستدراك بأن موضوع اثارة الصراع المزعوم بين دراما البلدين الشقيقين، اذكى اواره بعض العاملين في مجال الدراما باجتهادات شخصية ادت الى نقاشات مؤسفة وعصبية ومتشنجة، وأهم تلك النقاشات دار بين المخرج نجدت انزور والكاتب الدرامي اسامة انور عكاشة لدرجة قال معها احد المشاركين في تلك الحملات، مدعيا بأن امتناع التلفزيون المصري عن بث الدراما السورية على شاشته خوفا من تفوقها على الدراما المصرية.

ولا نريد ان نعود اكثر الى تفاصيل تلك الازمة التي كانت في مجملها زوبعة في فنجان، بل ننطلق من المفهوم الذي يؤكد على ان المنافسة الشريفة في الانتاج الفني، امر مشروع، بل هي في كثير من الاحيان حافز لتقديم المزيد من الابداع، وذلك للوصول الى دراما عربية متميزة يمكن تحقيقها بالانتاج القطري وبالانتاج العربي المشترك.

* لم تكن طفرة

* لم تكن الجماهيرية التي حققتها الدراما المصرية في عروض شهر رمضان المبارك مجرد مصادفة او طفرة، بل هي امتداد لتاريخ حافل من الانتاج الفني العريق والمتميز يعود في جذوره الى العشرينات والثلاثينات، حيث بدأت السينما العربية في مصر، وقبلها تاريخ حافل من النشاط المسرحي المتتابع، خاصة ان مصر ام الفن العربي، وفيها مجموعات كبيرة من اجيال مختلفة من الفنانين والفنيين والكتاب والمعدين والمخرجين والممثلين.. فعلى الرغم من ان بطولة الاعمال الفنية هذه الايام بطولة جماعية، إلا ان هناك اربعة نجوم كبار استطاعوا ان (يشيلوا) هذه الاعمال، وهم محمود مرسي في «بنات أفكاري» ونور الشريف في «عائلة الحاج متولي» ويحيى الفخراني في «للعدالة أكثر من وجه» وليلى علوي في «حديث الصباح والمساء».

واذا كانت الآراء تضاربت وتباينت، سلبا وايجابا، حول مسلسل «عائلة الحاج متولي» الذي يقدم موضوع تعدد الزوجات بصورة جديدة ومبهرة، الا انه يبقى عملا ذا نكهة خاصة استطاع ان يحقق رقما قياسيا في جماهيريته.

وعلى الرغم من ان مسلسل «بنات أفكاري» يدور حول محور اساسي هو ازمة الكاتب المبدع، الاجتماعية والاسرية والعاطفية والمادية، إلا انه يقارب محاور عدة ثانوية، منها قضية الحب وجيل الشباب، بصورة جادة، فلا يجعلها هامشية او مجرد محاور مساندة للمحور الاساسي.

وكذلك الامر بالنسبة لمسلسل «للعدالة اكثر من وجه» الذي يقترب كثيرا من هموم سواد الناس في مشاكلهم الحياتية واليومية واشكالاتها المعقدة، بدون محاولة الهروب الى الفانتازيا او التاريخ بحجة الهروب من الرقابة.

ويمكن ان نطرح الرأي نفسه حول مسلسل «حديث الصباح والمساء» الذي يقدم توليفة ذكية للهموم الوطنية والهموم المعاشية دون مباشرة او خطابات، فجاء يقارب مشاعر المتلقي بصورة فيها الكثير من التناغم.

* هل تراجعت الكوميديا السورية؟

* المعروف ان الدراما السورية حققت في السنوات الاخيرة حضورا متميزا على الفضائيات العربية، بنوعيها الكوميدي والتراجيدي، خاصة دراما القطاع الخاص بعد ان تراجع انتاج القطاع العام لأسباب ليس هنا مجال شرحها، من حيث الكم وليس النوع بحيث كان هناك غياب يثير التساؤل عن غياب عرض الانتاج الجديد لهذا القطاع في موسمين متتاليين، باستثناء اجزاء مسلسل «حمام القيشاني» واعادة عرض عدد من الاعمال القديمة. وعلى الرغم من ان مدير الانتاج صرح في بداية عام 2001 بأن هناك انتاجا متميزا للقطاع العام لا يقل عن عشرة اعمال، انجز بعضها، والبعض الآخر قيد الانجاز، لم نشاهد إلا الجزء الرابع من مسلسل «حمام القيشاني» ومسلسل «يوميات زكي وزكية». هذا الغياب عوضه انتاج القطاع الخاص الذي يلقى دعما ورعاية من وزارة الاعلام كانتاج وطني، فقدم مجموعة اعمال كوميدية لم يحالف اكثرها النجاح، ولعل في جملة الاسباب الاساسية لهذا التراجع ندرة الكتاب الكوميديين المتمكنين، وعدم التعاون مع الكتاب القديرين من اعضاء اتحاد الكتاب العرب، وإقدام بعض كتاب السيناريو من ذوي المواهب والقدرات المتواضعة على فبركة اعمال ومشاهد اقرب الى كوميديا الحركة والتهريج، منها الى الكوميديا الحقيقية وكوميديا الموقف.

ولعل السبب الآخر الجوهري في هذا يعود الى التقليد المشوه لمفهوم الكوميديا الذي قدمه (مسرح الشوك) وبعده الفنان دريد لحام، او اقتباس افكار المسرح التجاري الكوميدي الذي يعتمد على الانتقاد الفج والمباشر لبعض المظاهر الحياتية اليومية، وبعض سلبيات الروتين في الدوائر الرسمية، وصولا الى انتقاد ظواهر مهمة بطريقة سطحية، كالفساد والرشوة والانتهازية واستغلال المنصب وغير ذلك من مواضيع دون الوصول الى جوهر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

* مع عروض الكوميديا

* استطاع مسلسل ياسر العظمة «حكايا المرايا» تفادي الوقوع في مطب الكوميديا الانتقادية السطحية من خلال حكاياه ومراياه، وكذلك مسلسل «بقعة ضوء» الذي قام بتأليفه ايمن رضا وباسم ياخور واخرجه ليث حجو.. في حين كان مسلسل «انت عمري» الذي بثته الفضائية القطرية من اخراج هشام شربتجي وبطولة ايمن زيدان وروعة ياسين، تكرارا مشوها لمسلسل «جميل وهناء»، حيث كانت روعة تحاول عبثا ان تقلد اداء وشخصية نورمان اسعد، وحيث تخلى ايمن زيدان، وهو الممثل القدير، عن كوميديا الموقف التي عرفناه بها في مسلسل «يوميات مدير عام» الى كوميديا الحركة والتطرف من خلال افتعال الحضور وفي حركات الضحك والسخرية. وقد كان ايمن زيدان قد حصر نفسه في دائرة «جميل وهناء» فقدم ـ استنادا الى جماهيرية الجزء الاول في الموسم الاسبق ـ مسلسل «انت عمري» بالاضافة الى مسلسل «الو جميل .. الو هناء» من اخراج محمد الشيخ نجيب. فكان الاثنان تراجعا بينا عن العمل الاول، مما يوجب على هذا الفنان القدير الخروج من هذه الدائرة المستهلكة الى مواضيع مبتكرة وجديدة، فتكرار الافكار في الكوميديا اولى الخطوات نحو التراجع.

وحدث ولا حرج عن عدة اعمال اخرى جديدة من الكوميديا المتهافتة هي:

ـ «زكي وزكية» اخراج غازي ابراهيم.

ـ «فرصة العمر» اخراج عزام فوق العادة.

ـ «فريد وفردوس» (يوم بيوم) اخراج عدنان حجازي.

ـ «عش المجانين» اخراج اسعد عيد.

لقد تراجعت مثل هذه المسلسلات بالكوميديا السورية على الرغم من ان مخرجيها حشدوا لها عددا من النجوم المرموقين الذين لم تساعدهم النصوص الضعيفة والمفككة والمفتعلة على التألق على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلوها في محاولة انجاح هذه الاعمال.

وفي مسلسل «ابيض ابيض» حاول عابد فهد ان يقول شيئا مفيدا في حلقات قليلة، لكنه لم يوفق في اختيار الممثلين، كما ان تجربته في الاخراج لا تزال في البداية. ويمكن ان نعتبر مسلسل «ظـرفاء ولكن» من المسلسلات المقبولة في الكوميديا التي تعتمد على قصص التراث، اما مسلسل «لا تفهمونا غلط» الذي قدم اصحابه ما نعرفه باسم الكاميرا الخفية بصورة جديدة، فقد اخطأ هؤلاء في تقدير مشاعر الآخرين وردود افعالهم، مما افقد المسلسل بهجة (القفلة) كما يقولون.

* مع الأعمال الدرامية

* كانت اكثر تميزا من الاعمال الكوميدية بصورة عامة، لكنها لم تستطع ان تستأثر باهتمام المشاهد، اذ كانت هناك طوال الشهر الكريم متابعة مشوشة وغير دقيقة للمسلسلين اللذين انتجا عن سيرة القائد صلاح الدين الايوبي على الرغم من اختلاف الرؤية والطرح بين المخرج حاتم علي في مسلسل «صلاح الدين الايوبي» الذي قدم سيرة موثقة للقائد التاريخي، والمخرج نجدت انزور مخرج مسلسل «البحث عن صلاح الدين» الذي قدم اسقاطا مختلفا مستمدا من سيرة هذا القائد، ولم يكن هناك اي مجال للمقارنة بين العملين لتباين الرؤية والموضوع، حيث اعتمد الاول على الحوارات الطويلة والثاني على الصورة.

وكان هناك مسلسل للقطاع العام قدم بصورة مستدركة وهو بعنوان «ورود في مياه مالحة» تميز بطرح مدروس ولكنه ضاع في زحمة هذا المارثوان.

وقدم المخرج انور القوادري في مسلسل «سحر الشرق» من تأليف عمار الكسان وريم حنا، قصة الليدي الانجليزية جين دغبي التي اثارت قصتها الآراء والاقلام وتضاربت الآراء والاجتهادات والمصادر حول حكاية مجيئها الى الشرق وزواجها من شيخ بدوي، وكانت هناك الى جانب هذا ملاحظات اساسية حول الايقاع غير المتوازن في الاخراج، وحول فقر المشاهد لا سيما في البادية من حيث تصوير القبائل او القوافل او غيرها من المشاهد.

وتوقعنا لمسلسل «تمر حنة» الذي لعبت دور البطولة فيه مرح جبر، ان يحقق النجاح الذي حققه مسلسل «الخوالي» في الموسم الاسبق لاعتماده موضوع البيئة المحلية وتفاصيل حكاية مثيرة من التاريخ القريب المحلي، ولكنه ضاع بدوره في زحمة فوضى مهرجان العروض.

يتضح من هذا العرض انه ليس هناك صراع بين الدراما المصرية والدراما السورية كما حاول البعض ان يقول، بل ان هناك جهودا حقيقية يبذلها فنانونا العرب في مصر او في سورية او اي قطر عربي آخر بنوع من التنافس الشريف، ولكن اصرار جميع الجهات الانتاجية على تقديم اعمالها في الموسم الرمضاني، حول (الماراثون) الى سباق عشوائي، واضاع الكثير من فرص المشاهدة المركزة لدى المشاهدين لدرجة ان زوجات الحاج متولي مثلا قمن بتحويل المشاهدين عن متابعة سيرة اشهر ابطال ومعارك التاريخ العربي.