على هامش الصراع بين مؤسسة السينما والسينمائيين السوريين

من ينقذ السينما السورية من الاحتضار؟!

TT

اخيرا.. خرج الصراع بين المؤسسة العامة للسينما وبين السينمائيين السوريين من الكواليس الى العلن بعد مرور عشر سنوات على موت غير معلن لسينما القطاع الخاص، وبعد ان وصل القطاع العام الى مرحلة الاحتضار، كما حدث لاكثر ـ ان لم نقل لجميع ـ القطاعات العامة للسينما في الوطن العربي، بما في ذلك القطاع السينمائي العام في مصر. ان السينما في سورية وصلت في واقعها الانتاجي الى مرحلة مؤسية، وهي السينما المتميزة بالمستوى الراقي والجاد لافلامها التي نالت استحسان جميع النقاد العرب والاجانب، ونال عدد منها جوائز في المهرجانات السينمائية العربية والدولية، والتي بلغت ذروة انتاجها في السبعينات، ثم بدأ هذا الانتاج في التراجع ـ من حيث الكم ـ حتى وصل في نهاية عقد التسعينات الى فيلم في العام، بل ان الاعوام الثلاثة الاخيرة لم تشهد اي انتاج سينمائي جديد.

ومع التغيير الوزاري الجديد والدعوة الى مرحلة متطورة في العمل حاول السينمائيون السوريون من مخرجين وكتاب وفنيين ونقاد ان يتحركوا في محاولة لانقاذ السينما السورية من الاحتضار.

ورقة عمل وليست بيانا قدموا للمسؤولين ولوزيرة الثقافة الدكتورة مها قنوت اقتراحات عملية مفيدة اطلقوا عليها اسم «ورقة عمل» بدلا من (بيان) لما لهذه الكلمة الاخيرة من وقع سلبي يوحي بانها نوع من الاحتجاج، حاولوا ان يكونوا موضوعيين ومقنعين وان يقدموا حلولا عملية، خاصة حول المرسوم الذي يحصر بالمؤسسة حق استيراد وتوزيع الافلام والذي هو من المشاكل البالغة منذ عام 1969، اذ نص على ان تقوم المؤسسة بتوزيع الافلام المستوردة داخل سورية وخارجها كما نص على اعتبار العقود المبرمة المسجلة في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، واجازات الاستيراد الممنوحة لافلام متعاقد عليها والبضاعة المشحونة، وكذلك البضاعة المفتوح بها اعتماد مستندي قبل صدور المرسوم (ورقمه 2543)، نافذة على وفق الاصول المثبتة.

ويصدر وزير الثقافة التعليمات اللازمة لتنفيذ احكام هذا المرسوم وتلغى جميع الاحكام المخالفة له.

اما ورقة العمل التي قدمها السينمائيون فتؤكد منذ البداية واقع الانتاج (فيلم واحد في العام) والقطيعة بين السينما والحياة الاجتماعية، والغربة بين الجمهور وطقس الحضور، وخراب صالات العرض، وعدم توفر الافلام التي يمكن ان تشاهد.

وتؤكد ورقة العمل انها ازمة وليست واقعا ميئوسا منه، فهناك كوادر كبيرة ومتميزة، وخبرات كافية للبدء بورشات كبرى، واساس جيد لبنية تحتية قابل للتطوير، وتعلق ملموس بالسينما من المهتمين والمختصين في جميع المجالات العامة والخاصة. وتشيد ورقة العمل بانشاء المؤسسة العامة للسينما الذي تؤكد انه كان فعلا حيويا يحمي المصالح الوطنية لان دوره الجوهري في ميدان الثقافة الوطنية ضروري، خاصة بالنسبة الى هذه الصناعة الاستراتيجية. وتطالب ورقة العمل بحصة كافية من المال في توزيع الدخل الوطني ليصبح دعم الانتاج بندا في دراسة واقرار ميزانية الدولة.

كما تطالب الورقة بالانفتاح على الانتاج المشترك السوري والعربي والعالمي، فنشوء صناعة السينما يتطلب قطاعا عاما قويا وحاضرا ومنفتحا على تعدد الجهات المنتجة.

ويؤكد مقدمو ورقة العمل هذه «ان السينما في بلادنا خارج دورة الحياة طالما هي خارج السوق، واذا كان الفيلم السوري الواحد في العام يحقق حضورا ثقافيا ووطنيا لسورية في المهرجانات العالمية وعلى اقلام وألسنة اهم نقاد العالم فذلك لانه كان وما يزال ينتج بكثير من الحب والتطوع والابتكار رغم حصار الشرط الانتاجي المتعثر».

وطرحت ورقة العمل عددا آخر من القضايا نوردها باختصار:

1 ـ الفهم القائم لـ (مؤسسة اقتصادية) ذات طابع ثقافي، يتجاهل الخصوصية الثقافية لانتاج المؤسسة العامة للسينما.

2 ـ الفصل بين النفقات الادارية ونفقات الانتاج.

3 ـ تحديث انتاج المؤسسة الثقافي ومساندة التجارب الشابة.

4 ـ الانفتاح المرن على ابواب التوزيع الخارجي لانتاج المؤسسة.

5 ـ الانفتاح على العلاقات الخارجية والانتاجات المشتركة.

6 ـ القاعدة التقنية في مؤسسة السينما يمكن ان تشكل ارضية للصناعة السينمائية السورية.

7 ـ وجود انجاز المدينة السينمائية.

8 ـ تطوير وتحسين صالات المؤسسة.

9 ـ الالية الحالية لعمل المؤسسة مكبلة بالعوز التمويلي المزمن وبالقوانين القديمة.

10 ـ اعادة القطاع الخاص الى العمل السينمائي وامكانية العمل المستقبلي المشترك.

11ـ اعتبار الاستثمار في المجال السينمائي بابا ينبغي اعطاؤه التسهيلات.

12 ـ اعادة النظر في نظام حصر الاستيراد على اساس الانفتاح والتشجيع.

13 ـ تقديم التسهيلات للقطاع الخاص والمساعدة التقنية له.

14 ـ انشاء مجلس وطني ومعهد عال للسينما.

15 ـ العمل على نشر الثقافة السينمائية وتشجيع انشاء النوادي السينمائية.

16 ـ تحقيق التعددية والتكامل في جميع مجالات العمل السينمائي.

وقد وقع ورقة العمل المخرجون وكتاب السيناريو والنقاد السينمائيون، ومديرو التصوير، ومديرو الانتاج واصحاب دور السينما.

اجتماع تمهيدي وكان المدير العام للمؤسسة العامة للسينما بالوكالة المخرج محمد شاهين قد دعا لاجتماع تمهيدي موسع بناء على توجيهات الوزيرة الجديدة في المبنى الرئيسي لمؤسسة السينما ضم اصحاب الاختصاص بالمؤسسة، وبعض اصحاب صالات العرض في مدينة دمشق، لدراسة اوضاع الصالات السينمائية.

واكد مدير المؤسسة ان المجتمعين اتفقوا على مجمل القضايا المطروحة، وكان اهمها ضرورة تعديل بعض الانظمة النافذة حاليا والتي لم تعد تحقق الغايات التي وجدت من اجلها بسبب التطور الكبير الذي تشهده السينما حاليا.

يقول محضر الاجتماع:

بحثت في هذا الاجتماع اوضاع الصلات والمواضيع المتعقلة بها كافة، وموضوع استيراد الافلام بشكل موسع حيث اتفق المجتمعون على ضرورة تحديث بعض القوانين الناظمة لعمل الصالات في القطر، لتتناسب مع التطورات التقنية الكبيرة التي تشهدها السينما حاليا، لذلك اتفق الحاضرون على تشكيل لجنة ثانية من هيثم حتاحت عن اصحاب الصالات، ويوسف دك الباب عن المؤسسة العامة للسينما، وقد اجتمعت اللجنة فور انتهاء الاجتماع وبحضور محمد خالد خلوصي مدير التوزيع والصالات بالمؤسسة حيث توصلت الى التوصيات التالية:

1 ـ موضوع استيراد الافلام: ضرورة السماح للقطاع الخاص باستيراد الافلام السينمائية المصورة والمعدة للعرض التجاري عن طريق المؤسسة العامة للسينما لقاء عمولة تتقاضاها المؤسسة تحدد لاحقا بقرارات اصولية.

2 ـ السعي لدى الجهات المختصة لتقديم الاعفاءات المالية والضريبية وبعض الرسوم اللازمة لتحديث وتجديد الصالات القائمة حاليا، ولانشاء صالات جديدة اسوة بباقي المنشآت السياحية المشاركة في النشاط وعلى الاخص صالتي سينما الشام اللتين مضى على انشائهما اكثر من عشرين عاما وما تزالان تحصلان على الاعفاءات.

3 ـ العمل على اعفاء دور العرض في سورية من رسم الملاهي الذي بدأ تطبيقه منذ اكثر من خمسين عاما، لكون صالات السينما لعرض الافلام وليست ملاهي.

4 ـ السعي لاعفاء مردودات مؤسسة السينما من الضرائب.

اجتماع اللجنة الوزارية شكلت لجنة وزارية لدراسة اوضاع لجنة السينما برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وعضوية وزراء الاقتصاد والمالية والاعلام والثقافة، واستعرضت اللجنة مذكرة وزيرة الثقافة التي تضمنت:

1 ـ اسباب نقص الايرادات والسيولة المالية.

2 ـ انخفاض رسوم دعم السينما.

3 ـ ارتفاع تكاليف الانتاج السينمائي.

كما تضمنت موضوع دعم اصحاب الصالات والفعاليات الاقتصادية مع استمرار المؤسسة في استيراد الافلام والسماح لاصحاب الصالات والفعاليات السينمائية المسجلين لدى غرفة التجارة السورية باستيراد الافلام عن طريق المؤسسة مقابل عمولة، ومنح اعفاءات جمركية لمستلزمات تحديث الصالات من تجهيزات والات ومعدات، وتشجيع اقامة صالات سينمائية جديدة عن طريق شملها بقانون الاستثمار، واعادة تصنيف الصالات.

وتحدثت المذكرة في موضوع الانتاج السينمائي المشترك، واشارت الى انها وفرت لمنتجي القطاع الخاص الخدمات التقنية والفنية المحققة في سورية، وعملت على تنشيط الانتاج السينمائي المشترك مع جهات عربية واجنبية، وانتهت المذكرة الى حاجة المؤسسة لدعم مالي فوري كما يلي:

ـ مائة مليون ليرة سورية لدعم الانتاج السينمائي لفيلمين مدرجين في خطة هذا العام والتحضير لفيلمين في العام المقبل.

ـ 340.000 دولار اميركي لاستكمال شراء اجهزة متقدمة متعاقد عليها.

ـ وبعد النقاش والمداولة تقرر ما يلي:

1 ـ رفع حصر استيراد الافلام السينمائية من قبل المؤسسة العامة للسينما والسماح لاصحاب الصالات السينمائية المسجلين لدى غرفة التجارة السورية باستيراد الافلام السينمائية مقابل دفع عمولة للمؤسسة العامة للسينما، وتكلف وزارة الثقافة باعداد القرار اللازم لذلك.

2 ـ اعادة تصنيف الصالات السينمائية في ضوء استجابة اصحاب الصالات للنهوض باعمال اصلاح وتحديث الصالات، ويتم تقديم التسهيلات اللازمة لذلك.

3 ـ اعادة النظر في اسعار تذاكر الدخول بعد استكمال اعمال التحديث للصالات.

4 ـ تستمر المؤسسة العامة للسينما في انتاج ذي نشاط سياحي اعلامي توثيقي، كما يتاح للمؤسسة القيام بانتاج مشترك مع القطاع الخاص المحلي والعربي.

5 ـ الموافقة على تخصيص مبلغ 340.000 دولار اميركي لاستكمال شراء اجهزة متقدمة متعاقد عليها.

6 ـ يتاح للمؤسسة العامة للسينما استثمار التجهيزات المتوفرة لديها بتأجيرها للقطاع الخاص لانتاج الافلام حسب الانظمة النافذة.

7 ـ تكلف وزارة الثقافة باعداد مذكرة حول: التسهيلات المطلوبة لاستيراد الافلام السينمائية والتجهيزات اللازمة لتحديث صالات العرض السينمائية.

ـ تحويل المؤسسة الى هيئة عامة ذات طابع اداري.

وقد صدق الدكتور مصطفى ميرو رئيس مجلس الوزراء على محضر اللجنة ووافق على تخصيص القطع المطلوب في حال وجود اعتماد مقابل بالموازنة.

وهكذا اغفلت اللجنة الوزارية امرين مهمين اولهما موضوع انتاج افلام روائية طويلة وهو الهدف الاساسي من انشاء المؤسسة، وعدم تخصيص المائة مليون ليرة سورية المطلوبة لاستكمال انتاج الافلام الروائية في المؤسسة.