دراما و تمثيل

محمد رضا

TT

ينظر أحمد زكي تجاه عايدة رياض ويرسل لها قبلة في الهواء. «إيه ده؟ فيه أيه؟ أنت بتلوي بوزك كده ليه؟»، تسأله مستنكرة فيقول لها: «عاوز أعبر».

تعبير أحمد زكي عن شغفه بالشخصية التي جلست لجانبه في حافلة الركاب ليس فقط جزءا من أداء متماسك مع شخصية الولد «اللعبي» الذي يقدمه، بل هو تجسيد طبيعي وواقعي يواكب الفكرة الأساسية في فيلم من أفلام المخرج محمد خان الطبيعية والواقعية هو «أحلام هند وكاميليا» سنة 1988. ممثل لا يخرج عن الفيلم الذي في بال صانعه هو ممثل يعرف حدوده ويثق بقدرته على التعبير عن نفسه من دون استنزاف عاطفي.

في الدراما العربية تعودنا في غالبية أعمالنا، مسرحية أو تلفزيونية أو فيلمية، مشاهدة لون آخر من الأداءات تطغى على كل لون آخر عددا وشعبية. أداءات مفتعلة، مغالية في ردة فعلها، كاذبة في تعابيرها وغير قادرة على توفير فن الإيحاء في الوقت الذي تعمد فيه إلى كل تعبير مباشر وفج وسهل يمكن الوصول إليه.

بالنسبة لكثيرين، مثلا، تبقى «مدرسة المشاغبين»، تلك المسرحية الكوميدية التي اجتمع لها عدد كبير من نجوم الكوميديا في السبعينات ومنهم عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وحسن مصطفى، واحدة من أنجح المسرحيات الكوميدية وأكثرها متعة للمشاهدة. الضحك فيها (ولها) لا يتوقف والفضل يرجع لتمثيل كوميدييها في كل موقف منها. لكن هذا الاعتبار الجماهيري الذي كان سائدا والذي ينظر إلى العمل الفني من خلال مصلحته الخاصة. هو جمهور يريد أن يضحك أو يبكي أو يتأثر على نحو أو آخر. العمل الذي لا يحقق ذلك على نحو مباشر لا يحقق ذلك، بالنسبة إليهم، على الإطلاق. لكن النظرة الأعمق والأكثر اختلافا عن السائد، لدرجة النقيض، يدرك أن ما على المسرح ليس فنا على الإطلاق بل يعتبر هرجا. ليس حوارا بل ردحا. ليس تمثيلا بل هو احتلال بدني لحركات تتبع رغبة الممثل تجسيد نفسه لصالحه ولمفهومه لماهية صالح العمل.

على هذا الأساس يتم مط الموقف إلى ما بعد مداه الطبيعي، ويقوم الممثل بحلب كل كلمة يعتقد أنها يمكن أن تثير الضحك أو كل حركة يظن أنها ستشعل الصالة بعاصفة من التهليل والمباركة. أليس الموضوع كوميديا؟ أليس المطلوب هو إضحاك الجمهور؟ فما الخطأ إذن؟

المشكلة هي أكبر وأعم حين محاولة الإجابة على هذه الأسئلة الصغيرة. ما وراءها هو أكبر من أن يوجز لأنه يتعاطى مع الفكر والفلسفة ودور الفن وشروطه كما مع المجتمع وتقاليده وممارساته الإرثية. الأقرب إلى الإيجاز هو حركة دائرية يلتقي فيها الممثل (والفنان عموما بصرف النظر عن عمله) مع المشاهد على عملية تكسير اللغة الفنية لمفردات هشة من المشاعر والتصرفات.

في هذا الصدد، لا يمكن إغفال دور المخرج لأن ذاك الذي يرضى بالتنازل هو من يرضى بأن يواجه الممثل الكاميرا التلفزيونية وهو يكرر عبارة قيلت له لكي يظهر للمشاهد أنه متعجب مما قيل له أو غير مصدق. يعطي ظهره لمحدثه (وهي ليست عادة البشر أينما كانوا) ويستقبل الكاميرا ويكرر النبأ الذي سمعه للتو. ليس لأن المشاهد لم يسمعها أول مرة بل لأنه يريد أن يأخذ وقته (ووقتنا معه) وهو يهضم ما قيل قبل أن ينطق ردا يرجو أن يكون حاسما.

هذه المواقف ليست جديدة رغم انتشارها في مسلسلات من كل حدب وصوب (مصرية وخليجية وعربية أخرى) بل هي ذاتها التي ولدت مع ولادة التلفزيون، والتي حينها انتقلت من المسرح ودائما ما ظهرت في الأفلام أيضا.