ستانيلافسكي

محمد رضا

TT

«أعتقد أنني طبقت التمثيل حسب منهج ستانيلافسكي في كل مراحل حياتي المهنية». هذا ما قاله أحد الممثلين العرب خلال حديث قبل عدة سنوات. وهو ممثل جيد وفضولي. جيد لأنه يتمتع بالموهبة، وفضولي لأن هذه الصفة ضرورية لاستكشاف مختلف الآفاق. لكنه كان مغاليا أيضا من حيث إن ما قدمه على المسرح وفي السينما لم يكن «ستانيسلافسكيا» على الإطلاق، بل انتمى إلى المنهج التعبيري العام.

منهج ستانيلافسكي، وهذا كان ممثلا ومخرجا مسرحيا عاش ما بين 1863 و1938، بني على السعي لنقل ذات الممثل لداخل ذات الشخصية ليتخلى بذلك عن وجوده الخاص ويغرف من الشخصية التي دخلها. يصبح هو الآخر. وهي بوركت من قبل منظري الفترة الشيوعية، حتى وإن كانت سبقت ذلك النظام، تبعا لتفسير سياسي لا يعبر عن لب الرسالة الفنية التي سعى ستانيلافسكي لإيصالها. هذا التفسير تناول الرغبة في تجريد الناس من هوياتها الثقافية ليتحولوا إلى مواطنين مجتمعين تحت راية واحدة. لكن رؤية ستانيلافسكي كانت أوسع شأنا وأهدافه كانت محض فنية بصرف النظر عن كيفية توظيفها السياسي. فهو رأي أن على الممثل أن يترك نفسه وكل كيانه خارجا قبل دخول الشخصية التي سيؤديها... ليس نسبيا ولا جزئيا ولا وهما، بل كحقيقة كاملة، لذلك فتدريباته شملت الصوت والعاطفة والذاكرة. بالتالي، حين يعتبر بعض الممثلين أنهم «غاصوا في الشخصية» فإن مقدار هذا الغوص ربما شبر من عمق الماء. ملامسة للسطح. مرحلة أولى في رحلة طويلة أو ما حصيلته ساعتا تمهيد في درس يشمل الشكل والمضمون والمعرفة لجانب العناصر الأخرى السابقة.

حين قام ستانيلافسكي بنقل أعمال أنطون تيشخوف إلى المسرح (ومنها «الخال فانيا» التي قدمها في العام ما قبل الأخير من القرن التاسع عشر و«ثلاث شقيقات» في العام الأول من القرن العشرين) اكتشف أن إعجابه بتشيخوف وأدبه يناقض مبدأه الفني، فهو كان يريد تطبيق الأحداث والشخصيات على نحو واقعي طالبا الصدق والحقيقة، ما يعني أن عليه مواجهة الجانب الأدبي لروايات تشيخوف. لم يعد كافيا أن يسرد ما يحدث، بل أراد أن يمنح ما يحدث طينة واقعية، طالبا من ممثليه عدم اتباع إرشادات الكاتب ومفاتيح شخصياته، بل التعمق في تلك الشخصيات على نحو من يريد دراستها نفسيا وواقعيا.

وهو لم يكن يعني الواقعية طريقة صلاح أبو سيف أو روبرتو روسيلليني أو حتى برتولد بريشت (ولكل إسهامه في فنه وأعماله)، بل تلك التي لا تترك مساحة مهما كانت صغيرة تفصل بين الممثل والشخصية التي يؤديها. لذلك فإن ما بناه ليس مجرد إرشادات مثل «عليك أن تقرأ الشخصية جيدا وتفهم دوافعها»، ولا حتى من نوع «عليك أن تعيش نبضاتها ومعاناتها»... هذا كله تحصيل حاصل. المنهج (أو The Method، الكلمة المتداولة حوله) هو بناء الشخصية من العدم وتصديقها بما فيها أن تكون لها ذاكرتها الخاصة. لا ينفع أن يخطو الممثل على خشبة المسرح وينطلق من اللحظة ذاتها ليمثل عطيل مثلا، بل عليه أن يكون عطيل قبل أن يبدأ التمثيل.

والفارق واضح بين تمثيل أورسن ولز لشخصية عطيل (بالمناسبة) وقيام البريطاني لورنس أوليفييه بتمثيلها. الأول جسد والثاني أدى، والاختلاف واسع للغاية.