مع حصان ومن دونه

محمد رضا

TT

فأجاب: «نوعان؛ واحد مع حصان، والآخر من دونه».

في ردّه الساخر يكمن بعد خفي وبلاغة ملحوظة. الممثل لعب في أفلام رعاة بقر (أي مع حصان) وأفلام بوليسية، ولاحقا درامية (من دون حصان)، لهذا السبب - ومن وجهة نظره البحتة - هناك هذان النوعان، ولا ثالث لهما.

دافعه لتحديد المسألة على هذا النحو يعود إلى أنه لم يكن ممثلا حسب منهج ستانسلافسكي؛ لم يدرس التمثيل في معهد، لم يقف على خشبة المسرح، وانطلق من الأربعينات في السينما راكبا الخيل. لم يكن يتطلب ذلك مدرسة ولا فنا في التمثيل، بل تسوق الأدوار كيفما جاءت، في مطلع الأمر. صغيرة هنا وواعدة هناك، طيبة وشريرة، حسبما يتمنى وعكسه. ومن خلال المثابرة حقق حضورا، ومن الحضور حقق حدثا، ومن الحدث نجومية. روبرت ميتشوم خلال كل ذلك وفي خلال حقبته الأولى من العمل أصبح ممثلا محترفا، لم يدرس ولم يتعرف على أي نوع آخر من التمثيل.

هل يعني ذلك أن الممارسة هي أفضل مدرسة ممكنة، وأن الدراسة مسألة مبالغ فيها؟

مثل ميتشوم هناك مئات الممثلين المعروفين وشبه المعروفين في كل مكان في العالم الذين لم يدرسوا التمثيل ولا الدراما ولا سبق ظهورهم السينمائي وقوف على المسرح، لكنهم كانوا جيّدين.. لماذا إذن لا ينسف ذلك مقولة إن التمثيل الممارس حسب المنهج (أو حسب أي منهج في الواقع) ضرورة لصقل موهبة الممثل؟

الجواب هو أن مارلون براندو، مونتغمري كليفت، روبرت دي نيرو كانوا قرروا ولوج الشخصية لأقصاها في حين أن أمثال ميتشوم (وجون واين وألان لاد وهمفري بوغارت) تعاطوا مع الجانب التنفيذي للدور، صعبا كان أم لا.

تفسيرا لذلك، التمثيل حسب المنهج بالنسبة للممثل هو ما تشكله «سينما المؤلف» بالنسبة لبعض المخرجين. كلاهما إقدام ذاتي على ولوج العالم الخارجي وتحويله إلى عالم كل منهم الخاص. هو قراءة شخصية لذلك العالم وتنفيذ مشروط بتجاهل التنميط والحلول السهلة. وذلك هو دائما أبعد فنّا من الممارسات التنفيذية الأكثر انتشارا في السينما، كما في باقي الفنون.

لكن الفن ليس شارعا باتجاه واحد، بل هو مظلـة واسعة تضم تحتها مواهب من كل الاتجاهات، لذلك ظهور ميتشوم في «ابنة رايان» (1970) بروعة وجودة ظهور آل باتشينو في «العراب» بعد عامين. كل مدرسة مختلفة وكل بموهبة مختلفة؛ واحد لم يدرس السينما، وآخر درسها. طبعا يساعد كثيرا أن مخرج «ابنة رايان» هو عملاق اسمه ديفيد لين، ومخرج «العراب» هو عملاق آخر اسمه فرنسيس فورد كوبولا. ما يثبت في نهاية المطاف أن لكل فنان، في كل حقل فني، ملكيته الخاصة التي يصقلها بأمانته وحبه لما يقوم به.

نعم، هناك تمثيل مع حصان وتمثيل من دونه، هذا لا يهم.. المهم أن يكون الحصان متفهما، فبالنسبة إليه أيضا هناك نوعان من الممثلين؛ نوع يعرف كيف يركب الحصان، ونوع لا يعرف.