أين يقف الناقد؟

محمد رضا

TT

أين يقف الناقد؟

«كن مع ناقدك محقا أو خاطئا» كتب ناقد بريطاني في عدد من مجلة سنوية عن السينما كانت تصدرها شركة «بينغوين» في الخمسينات. وإذ تقرأ المقال تجد أنه فسّر هذا العنوان العدائي على النحو الذي يمكن تلخيصه كالتالي: على قارئ النقد أن يمنح الناقد الذي يريد الاعتياد على قراءته الثقة والوقت لحياكة تآلف فاعل بينهما. الناقد سيكتب ما يعرفه والقارئ سيتلقّف هذه المعرفة. بينهما هناك موضع للنقاش ناتج عن الرأي الذي قد يشتركان فيه أو يتعارضان. إذا ما أخطأ الناقد في معرفته وبالتالي في رأيه، على أساس أن الرأي عليه أن يأتي من المعرفة أولا، أو قدّم رأيا غير صحيح، فإن ذلك لا يجب أن ينسف الثقة ليس من باب أنه يحق لأي فرد أن يخطئ، بل من منطلق أن الناقد الذي يتكلّم عنه صاحب المقال لم يصل إلى إمكانية كسب ثقة القارئ إلا لأنه ناقد جيّد. بالتالي الخطأ لا ينسف الجودة إلا إذا كان تمهيدا لتقهقر أو انهيار.

هذا هو ملخص لأربع صفحات من المجلة (التي كانت تطبع كدليل سنوي في حجم كتاب) وهو يحمل جوانب مصيبة، لكنه ليس محقا حين يطلب من القارئ المغفرة والانتظار. العلاقة بين الناقد والقارئ ليست مبنية على منح الفرص. القارئ يريد من الناقد أن يجيب على أسئلته بخصوص العمل الفني الذي أثار اهتمامه. ويريد من الناقد أن يسد فراغات في شأن هذا العمل يشعر بها لأنه لا يملك الخلفية الصحيحة أو الكافية. لا يستطيع الناقد إلا أن يكون أهلا للثقة حتى ولو جانبه الصواب مرّة من المرّات لسبب ربما خرج عن إرادته.

ما يقوم به الناقد، في المسرح أو في الغناء أو في التلفزيون أو في السينما وفي كل الشؤون الأخرى، هو تقديم رؤيته ووجهة نظر تستند أساسا الى الحقائق بقدر ما تسمح به المعرفة من اطلاع. لا يستطيع أن يقول إن المسرحي نوويل كوارد كان متأثرا بإبسن إلا إذا ما كان لديه دليل على ذلك أو يخلط ما بين الشاعر كريستوفر مارلو وشخصية فيليب مارلو الخيالية التي وردت في مؤلفات رايموند تشاندلر. أو أن يبني مقالة افتراضية يوجه فيها التاريخ كما يعتقد ومن دون إثباتات.

الناقد، وهناك من يعترض على هذا المفهوم، هو وسيط بين المشاهد/ القارئ والعمل المسموع أو المعروض بصريا، سواء كان مسرحية، رسومات أو صورا فوتوغرافية، أو مسلسلا تلفزيونيا أو فيلما سينمائيا، أو مكتوبا. صلة الوصل بين الجمهور والعمل الفني. وعليه أن يبقى كخير ما تكون عليه مثل هذه الصلات.

إلى ذلك، لا يمكن أن يبقى بلا رأي. عاجلا أو آجلا سيبغي القارئ من ناقده أن يصل إلى المفاد: هل هذه المقطوعة الموسيقية مبدعة أم متأثرة؟ هل هذه الرواية قوية الأسلوب أم ركيكة، أو هل أن هذا العمل المسرحي جيّد برمّته أم رديء؟

وفي حين أن الرأي هو خلاصة الحقائق والمعلومات، فإن ما يجعله مهمّا كونه يخلص في النهاية لتكوين شخصية الناقد أمام القارئ. ففي الملامح الأخيرة للعلاقة بين الاثنين تكمن المسافة الذهنية بينهما. الصورة المنشورة لجانب أسماء بعض النقاد لا تعني ألف كلمة في هذا المجال، ولا حتى مائة، ما هو أهم منها الصورة التي تتألف من الكلمات ذاتها. فالقارئ في النهاية هو ناقد بدوره. وإذا ما أثار الناقد إعجابه واظب على قراءته. وإذا لم يفعل، بحث عن سواه.