العين واليد والرموش

محمد رضا

TT

المسألة بأسرها هي كيف تريد، كممثل، أن تعبر عن خلجات ما؟. عن لحظة معينة من الحياة؟. عن وقع أو تأثر على نحو معين والإجابات تختلف بحسب القدرة والمنهج الذي تعتمده في التمثيل. لكن العين تبقى هي الأساس، في حين أن حركة اليد للتعبير هي حركة خارجية دخيلة إلا في لحظات معينة.

إذ مدت يسرا ذات مرة يدها إلى الكاميرا وصرخت «لا» فإن اللقطة الماثلة ألغت كل تعبير فني ممكن وحولت المفهوم المنوي التعبير عنه (أي سبب الرفض المتمثل بكلمة لا) إلى نتوء في الصورة. فهنا اعترفت الممثلة (وتبعا لتوجيهات العبقري الذي حقق الفيلم) بوجود الكاميرا. وأحد أهم عناصر التمثيل السينمائي أمام الكاميرا هي أن تحذف من واقعك الجديد كلمة «كاميرا». إنها ليست هناك لتتدخل بين ما تقوم به وبين ما يصل إلى الجمهور.

في الوقت ذاته، وفي عمق أبعد في البال، عليك أن تعترف بها، لكن ليس على نحو أن تخاطبها. إذ يقف الممثل أمامها فإن أول اعتراف بها هو أن يقوم أحد عاملي الفيلم برسم خط على الأرض، حيث سيتقدم الممثل ويقف. إذا ما كان المخرج ذكيا ومدير التصوير فاهما للمطلوب، فإن وقوف الممثل عند ذلك الخط المرسوم هو لتأمين بعد معين عن الكاميرا قبل أن يشعر المشاهد أنها أقحمت نفسها في عملية التمثيل.

إذ يقف الممثل على بعد متر منها فإن لوقوفه سبب. هناك إلى يسار الكاميرا أو يمينها من المفترض أن يقف الممثل الآخر. الممثل الأول يتوجه إليه بما يريد الحديث فيه. الثاني سيرد. دعنا من الحديث عن القطع ما بين الممثلين فهذا يدخل في باب الإخراج ومجاله أمر آخر، لكن انتبه حينها إلى أن الممثل الذي تصوره الكاميرا لا يرمش.

يشير الممثل البريطاني مايكل كاين في درس ألقاه حول التمثيل قبل بضع سنوات، إلى موضوع الرمش. يقول إنه إذا ما قام الممثل بفعل الترميش، عكس مباشرة ضعف شخصيته. لذلك عليه أن يضبط الحاجة الطبيعية لاستخدام الرموش فلا يرمش. وهو كلام صحيح خصوصا إذا لم يكن مطلوبا لأي غاية. لا تستطيع أن تصور الممثل وهو يقول عبارة صارمة مثل «أتحداك أن تأتي بدليل» وأنت ترمش.

كل ذلك يأتي بالتضامن مع متى تحرك اليد ولأي غاية.

في الحقيقة هناك منهج في دراسة التمثيل حول حركة اليد. السؤال الذي كان طالع الممثلين منذ البداية (وممثلي المسرح قبل سواهم) هو: ماذا تفعل بيديك حين التمثيل؟ الردود كانت مختلفة. أحدها: اصنع بهما ما تصنعه في حياتك الخاصة، وحركهما كما تشاء طالما أن التعبير يتطلب ذلك، أو ضع يديك في جيبي سروالك أو معطفك. لكن الجواب الأفضل هو أن تحرك يدك حين يكون من المطلوب أن تعبر صامتا وليس ناطقا. لا تستطيع أن تقود السيارة من دون أن تكون يداك على المقود، لكن من الخطأ بمكان أن تستغل الفرصة لكي تعبر بإصابعك عن التوتر في اللحظة ذاتها. حين النطق بعبارة قد تستخدم إصبع الإشارة، وربما لا تستخدمه لكن لا تجعل هذا الاستخدام بارزا في عملية التمثيل لأنه حينها سيفرغ الحركة من الفن وسيعكس إدراكك بأن الكاميرا هناك وأنت تمثل لها.