مدارس الفن

محمد رضا

TT

المدرسة الوحيدة التي تؤهلك لأن تصبح فنانا جيدا ليست موجودة بين جدران معهد تدريس. لا يوجد صف واحد في أي مكان من العالم يستطيع تخريجك كاتبا أو مخرجا أو ممثلا فعليا.

نعم هناك تقنيات لا بد من الإلمام بها، لكن لو التزم دوستويفسكي أو شكسبير أو ألدوس هكسلي أو غراهام غرين أو هارولد بنتر أو سواهم بها لما وصل أي منهم إلى سدة الكتابة الروائية أو الشعرية التي هو عليها.

لو أن المخرجين جون فورد وأكيرا كوروساوا وألفرد هيتشكوك وجان رنوار في السينما وبرتولت برشت وفيكتور غارسيا وهوارد ديفيز في المسرح أموها في المدارس لما نضحت لهم الأعمال الكبيرة التي اشتهروا بها.

هذا تجده منتشرا في الشؤون كافة: أفضل مدير تصوير هو ذلك التي تشرب المعرفة من العمل مساعدا طموحا. أفضل مصمم مناظر مسرحية هو الذي دخل التجربة صبيا يخدم الممثلين وعينه على كيف يصبح يوما مصمما أو مهندسا مسرحيا. أفضل الممثلين هو من ارتقى من الأدوار الصغيرة التي لا تحسب إلى أن أوجد لنفسه الأدوار الكبيرة التي يحلم بها.

وسق على ذلك كل الشؤون الأخرى من صغيرها إلى كبيرها. فحتى حين نعترف بأن هناك مدارك وتقنيات على الطامح معرفتها، فإن هذه المدارك تؤسس في العمل وليس على مقاعد الدراسة وإلا لصرفنا النظر عن كل تلك الإنجازات المبهرة لأجيال الفن والفنانين والأدب والأدباء من العهد الأموي وما بعد مرورا بالقرنين الثامن عشر والتاسع عشر عندما أخذ التعبير الذاتي يتخذ أشكالا محددة موسيقية وأدبية ومسرحية وشعرية ونثرية.

لذلك، حين أقرأ لممثل بأنه «لا يكترث للعالمية» أو أن جائزته الوحيدة التي يعتز بها «هي جائزة الجمهور»، فإن ذلك لا يدخل في قناعتي ولا يمكن اعتماده. هو إما ليس طموحا لأن يبلغ العالمية أو ليس جيدا ليبلغ العالمية. هو كذلك لم يفز بجائزة نقدية أو من مهرجان ما وإلا لما قال إن جائزته التي يعتز بها هي جائزة الجمهور. لنكن واقعيين.

ما يجب أن يبقى محط اهتمام الدرامي (أينما كان عمله وفي أي وسط) هو أن عليه أن يسعى ليكون الأفضل. ليس بالمفهوم المادي والمصلحي الضيق فالمفترض به أنه لا ينجز أعماله ليعيش منها فقط، بل لينجح عبرها في الوصول إلى مرحلة لاحقة ومنها إلى مرحلة أكبر. لذا على كل صاحب موهبة ألا يكتفي بالقول إنه يريد أن يصبح أفضل مخرج أو أفضل كاتب أو أفضل أي شيء آخر، بل عليه أن يطمح ومن واجبه أن يطمح لأن يصبح الأفضل فعلا. لا يجب أن ينظر إلى المسافة بينه وبين عمالقة المهنة التي اختارها إلا من حيث واجب التواضع، أما داخل نفسه فعليه أن يسعى لأن يبز سواه وإن لم يكن يستطع ذلك فعلى الأقل الوصول إلى مصافهم.

لكن ما علاقة ذلك بالدراسة؟ العلاقة هي أن المدارس التي يؤمها كل متوسم لنفسه بمستقبل في الفن لا تضمن أن خريجها سيكون فذا في المهنة التي اختارها. سيخرج وهو يعرف شيئا عن التاريخ والقواعد، لكن المدرسة الأفضل هي الانخراط في العمل بمدرسة أو من دونها وربما من دونها يضمن وصولا أسرع.