دروس من عصر الكهوف

محمد رضا

TT

قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة ميلادية، حاول الإنسان التعبير عن نفسه بالرسم على الجدار. تلك الرسومات التي وجدت في الكهوف بفرنسا وإسبانيا والصين، من بين مناطق أخرى، نظر إليها كقيمة أساسية في عملية نزعة الإنسان إلى السرد الروائي. في المغارات التي اكتشفت بمنطقة شوفيه في فرنسا، وسـميت بـ(Chauvet Caves)، وجد الدارسون دليلا على ذلك: هناك محاولة لسرد قصـة ما بالرسم على جدران الكهوف. بل هم لاحظوا أن هناك محاولة رصد حركة عبر رسم متقارب للجياد بدءا من نقطة متأخرة، يليها الحصان نفسه في نقطة متقدمة، ثم حصان ثالث ورابع، وكل منهما في نقطة متقدمة بنفس المسافة الأولى عن الحصان السابق.

في كهوف التاميرا الإسبانية، نجد أن التعبير أخذ شكلا مختلفا: هناك رسم لخنزير بري بثمانية أقدام. وفي حين ظن البعض أن الرسم هو تصوير لخنزير انقرض كانت له ثمانية أطراف عوض أربعة، تبين لاحقا أن الرسـام (وهو ما يمكن أن نصفه اليوم بالمبدع) إنما أراد إظهار الحركة على نحو متوال، كما الحال عند تصوير أي حيوان يعدو بكاميرات الأمس البعيد أو القريب أو اليوم.

بالانتقال إلى العقد الثامن من القرن التاسع عشر، سنجد أن نقل الحركة (أي حركة) كانت الدافع لما نعرفه الآن على أساس أنه سينما. ليس هذا فقط، إذا ما فحصنا تلك الرسومات الكهفية ثم قارناها بفيلم إدوارد مايبريدج، وفيلمه المصور، عام 1872، عبر عدة كاميرات «سالي غاردنر عند العدو» (Sallie Gardner at a Gallop)، نجد أن الحاجة للبرهنة على الحركة هي واحدة مع تلك التي سبقت ذلك التاريخ بألوف السنين. هذه المرة عوض أن يكون التعبير منوطا بنحت في الجدار بات عبارة عن استخدام شروط ضوئية وهندسة صناعية معينة للقبض على ثوان محددة في عدو فرس للبرهنة على إذا ما كانت قوائمه الأربعة ترتفع عن الأرض معا، في لحظة من لحظات عدوه.

لكن هناك صفحات كثيرة بين الحقبتين الشاسعتين لا بد من النظر فيها، والرغبة في رصد الحركة هي العامل المشترك غالبا. فتلك الرسومات تكشف عن أن الاهتمام كان رصد الحركة. لذلك، لا يوجد ما هو نقل لموضوع جامد (مثل جبل أو شجرة أو فأس)، بل دائما لحيوانات تعدو كالجياد والثيران والفهود (وفي أستراليا الكانغارو) إلخ...

واحد من أهم الباحثين في أصول التعبير المصور هو مات غاتون Matt Gatton الذي هو أحد الذين تبنوا نظرية مفادها أن «الكاميرا الخفية» هي مفهوم مورس في زمن ذلك الإنسان المبكر في تلك الكهوف، حسبما ورد في كتابه «الكاميرا الخفية وأصل الفن: قضية العرض المصور في العصر الحجري» The Camera Obscura and the Origin of Art: The Case for Image Projection in the Paleolithic.