مسرحية دون جيوفاني

محمد رضا

TT

هناك شخصيتان أساسيتان تشابهتا في بعض ملامح البنية الأولى لكل منهما كما في سيادة مفهومين متناقضين حولهما. الشخصية الأولى هي شخصية دون جيوفاني التي قـدمت على المسرح كأوبرا مع موسيقى من تأليف وولفغانغ أماديوس موتزار سنة 1787. والثانية شخصية كازانوفا، وهي شخصية حقيقية يقال إنها ولدت في ربيع 1725 وعاشت حتى ربيع 1798. شخصية دون جيوفاني ليست واقعية بل مبنية على شخصية خيالية لإسباني عرف بمجازفاته العاطفية اسمه دون جوان، وحيثما نشأنا في العالم العربي كان هناك ذلك القول لمن يتصرف على هذا النحو فيقول أحدهم للآخر: «هل تعتقد نفسك دون جوان؟» في شيء من العتاب، أو هي شتيمة عندما تقال في غيابه عبارة مثل «احذر منه هذا دون جوان خطير».

لكن كازانوفا شخصية حقيقية. وما تشترك هاتان الشخصيتان به، لجانب أنهما ينتميان إلى القرن الثامن عشر، هو هذان المفهومان المتناقضان حولهما: من ناحية هما ضحيـتان منبوذان من صنع المجتمع، في وقت لاحق من حياتهما الغامرة، ومن أخرى هما ضحيتا نفسيهما قبل أي أحد آخر.

جان - بول سارتر رأى أن المجتمع هو المدان في أسطورة دون جيوفاني، كذلك فعل المخرج ألفريد فديريكو فيلليني عندما حقق فيلمه الجيـد «كازانوفا». لكن المسرحية التي انطلق تقديمها في كوفنت غاردن في لندن قبل أيام قليلة، وتدور حول دون جيوفاني، تقول العكس. لإثبات حجـته، قام المخرج كاسبر هيلتون بتحويل الأوبرا إلى مراجعة نفسية لدون جيوفاني يبدو فيها هذا مسؤول أول عن متاهاته وإحباطاته. وهو بذلك يفرض على الأوبرا لجوءا صوب ناحية سوداوية لم تتعامل معها الأوبرات السابقة كثيرا من قبل. ومن دون خبرة خاصـة في مجال تقييم فن الأوبرا، فإن هذا الناقد لا يستطيع الحكم على ما إذا كانت وجهة المخرج هذه مبررة أم لا.

ما هو واضح أن هذه المعالجة تستند إلى رؤية متكاملة فنيا. المخرج لم يعتمد على التمثيل، الذي قام به البولندي ماريوش كويشين، وحده بل حول مسرحه إلى قاعة من السلالم والأبواب واعتمد إضاءة تختلف في اللون والقوة بحسب المرحلة النفسية التي يمر بها بطله، أو بحسب نوعية الذكريات التي يتعرض لها.

قرأت أن المخرج سبق أن تعامل مع إنتاج سابق على هذا النحو قبل سنتين عندما قدم مسرحية أخرى صاحبتها موسيقى تشايكوفسكي. وبدهيا لا يستطيع المرء تخطئة مخرج يحاول استنباطَ جديدٍ، إلا عندما يخفق في كيفية هذا الاستنباط، والمسرحية أصابت الهدف وأخطأت فيه على نحو متوازن لدرجة أن من غالبية من تناولها بالنقد في الصحف البريطانية تجاوز الحكم النهائي بخصوص هذه النقطة تحديدا. ما نجح فيه هو إبراز العامل النفسي داخل شخصية دون جوان. بالنسبة لهذا المخرج، دون جيوفاني (ومن ورائه دون جوان) شخصية شريرة في الأساس. همـه الإيقاع بالنساء والتغرير بهن. لذلك يمسح الإخراج الشخصية مثل «سكانر» لإظهار بقع سوداوية في عقله. فهذا التغرير يحتاج إلى خطط وهذه الخطط تعشش في بال شخصية بررها سارتر بإدانته محيطها أولا.