الرقص بالمجّان

محمد رضا

TT

قبل أيام قليلة تسلم عدد من هواة الغناء والرقص في المغرب الرسالة التالية على هواتفهم: «يوم تصوير كامل لفيديو كليب كامل للمغنية كايلي مينوغ من دون أجر ولكنها متعة وفرصة عظيمة».

المرسل، تبعاً للخبر الوارد والمنشور في عدد قليل من الصحف (بينها «The Sunday Morning Herald») هي وكالات عمل، والنيّة كانت تشغيل المواهب المحلية من دون أجر لقاء وضعهم حول المغنية المذكورة في فيديو كليب راقص يجري تصويره استعداداً لإطلاقه بعد أشهر. للإيضاح، لن يقف الواحد من المتقدّمين حولها أو يصفّق لها. عمله ليس الظهور معها في صور تذكارية، بل هو سيرقص ويقوم بما يطلبه منهم مصمم الرقصات الأسترالي فارل ويليامز... يعني بالفصيح: تشغيلهم مجاناً.

ربما تم اختيار المغرب لأسباب كثيرة، فهو بلد مضياف وجميل ومتنوّع الطبيعة ومستقر ورخيص اليد العاملة. وأساساً لا بد أن اختياره تم لأن الشركة المنتجة بحاجة إلى المناخ الطبيعي، إلى الصحراء والشمس والبحر والطبيعة الجميلة. لكن الاحتجاجات التي سادت الوسط الفني حال انتشار الخبر أمر آخر: هل يا ترى لو كان الفيديو كليب المزعوم تصويره في بلد آخر مثل بريطانيا أو الأرجنتين أو أستراليا نفسها لكانت الشركة تصرّفت على هذا النحو وعرضت العمل مجاناً وامتنعت عن دفع أتعاب الراقصين الكومبارس؟ طبعاً لا.

الأجر المتوسط لمثل هذه الأدوار المسرحية هو 550 دولارا في اليوم من التصوير بالنسبة للفرد الواحد. والفيلم من هذا النوع يأخذ من يومين إلى ثلاثة، ولو أن بعضها، مثل فيديو موسيقى وأغنية «ثريلر» لمايكل جاكسون تم تصويرها لأكثر من أسبوع، لكن ذلك ترف ليس بمقدور كل الشركات القيام به. أما من ناحية التكلفة الإجمالية فهي لا يجب أن تتجاوز ربع مليون دولار، وفي معظم الأحيان لا تصل إلى أكثر من 100 ألف دولار بما في ذلك كل الأجور. معنى ذلك أن المطلوب كان تشغيل مواهب طموحة (بعد انتخابهم من قِبل كل المتقدّمين) وإعفاء الشركة الأجنبية من دفع أحد عشر ألف دولار إذا ما كان التصوير يقتضي يومين من العمل وعدد الراقصين عشرة أشخاص فقط.

هو مبلغ تافه وطلب رخيص بلا ريب، لكن في الاعتبار أن البعض كان سيتقدّم معتبراً أن الفوز الكبير هو الظهور في فيديو كليب لمغنية «بوب» معروفة (أعترف أني لم أسمع بها - لكن هذا قد يكون عيبي وليس عيبها) سيروج عالمياً وسيلعب على الإنترنت ملايين المرّات.

لسبب ما ذكّرني ذلك بمهرجانات السينما في أكثر من بلد أوروبي وعربي عندما تطلب متطوّعين للعمل من دون أجر، فيهب عدد من الشباب والبنات بالانخراط في العمل لقاء تكاليف محدودة: فالمواصلات على المهرجانات وكذلك وجبتا الظهيرة والمساء. في المقابل سوف يعمل المنتسبون المجانيون إلى المهرجانات طيلة عشرة أيام أو اثني عشر يوماً (يعتمد ذلك على عدد أيام المهرجان) من دون أجر.

لا يؤمل لذلك المنهج الانتشار ليشمل الأعمال المسرحية أو التلفزيونية أو السينمائية، ولو أن المنتشر هو أن برامج التوك شو وبرامج الغناء التي تأتي بالحاضرين وتوزّعهم في أرجاء الاستوديو للتصفيق والصراخ وكل ردود الفعل منتشرة، والمقابل: اضحك فأنت على شاشة التلفزيون.