أفلام تعيد نفسها وحرب شركات على المشاهدين في بداية صيف ساخن للأفلام الأميركية

TT

جرت العادة على أن تحشد هوليوود عددا كبيرا من أفلام الأكشن ذات الميزانيات الكبيرة لفصل واحد من العام بأسره هو فصل الصيف. انه الموسم المثالي، فالأولاد تركوا المدرسة والعطل كثيرة وهناك صالات عرض في كل قرية وبلدة هذه الأيام بحيث لا مهرب لأفراد العائلة من دخول السينما. اذا ما كان هناك مهرب واحد فهوليوود تبحث عنه بغاية اغلاقه.

هذه السنة تحديدا هناك أكثر من المعتاد من هذه الأفلام. عوض ستة أفلام من نوع الأكشن المستمر والخدع البصرية الكبيرة كما في المواسم السابقة، هناك أكثر من ستة عشر فيلما من هذا النوع. واحد من طرق إغلاق أبواب النجاة أمام الفئة التي قد تحاول اعطاء نفسها اجازة من السينما، هو اغراق السوق بما لا يمكن تفويته. من «حروب نجمية» الى «سبايدر مان» ومن «رجال في الأسود 2» ومن «فتيان جواسيس 2». من توم كروز يحاول النفاذ بجلده في «تقرير الأقلية» الى ريتشارد غير يخطط للقتل في «غير المخلصة». من الأفلام الكرتونية الى الأفلام البوليسية وبين الأثنين سيل آخر كبير يحتوي على كل نوع او تبويب.

* وهناك فرصة مواتية

* هذا العام، وتبعا لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) وما تلاها من حروب وظروف دولية، ووسط تساؤلات الأميركيين عن السبب الذي من أجله هم موضع كره في العالم، يتوقع ان تنشط السياحة محليا وتخبو عالميا. هذا سيزيد نسبة ارتياد صالات السينما التي لا تعرف، لا هي ولا صانعوها، معنى للعطل سوى أنها مكسب اضافي لها. هوليوود في هذه الفترة تصبح كلها مدينة ألعاب كبيرة.

* منافسة أم حرب

* كل عام يبدأ الموسم الصيفي أبكر قليلا من العام الذي يسبقه، وفي حرب ستشنها شركات هوليوود ضد بعضها بعضا، وستشنها هوليوود جميعا على المشاهدين اينما كانوا، فإن السبب في البدايات المبكرة حقيقة أن هناك عددا محدودا من الأسابيع الصيفية التي يمكن الاستفادة منها وعددا كبيرا من الأفلام التي تريد أن تستفيد. هذا يخلق منافسات صعبة.

والتالي نموذج بسيط في شهر مايو (ايار) المقبل، وبينما ينتقل طالبو الفن والتجربة الى مهرجان «كان» على أمل انعاش العقل والروح بأفلام لديها ما تقوله لنا وحولنا، هناك عشرة أفلام جديدة تتنافس على النجاح المرتقب. من بينها ستة أفلام مخطط لها الوصول الى المركز الأول في سلم الإيرادات هي «سبايدر مان» و«غير المخلصة» و«ستار وورز ـ الفصل 2» و«انسومنيا» و«سبيريت: فرس سيمارون» و«جمع كل المخاوف». في الشهر التالي هناك سبعة أفلام كبيرة بينها «توكسيدو» مع جاكي تشان و«هوية بورن» مع مات دامون و«هامسو الريح» مع نيكولاس كيج و«صحبة سيئة» مع انطوني هوبكنز وكريس روك.

في شهر يوليو (تموز)، يرتفع عدد الأفلام الكبيرة الى ثمانية. هناك «رجال في الأسود 2» مع ويل سميث وتومي لي جونز، «الطريق الى المغفرة» مع توم هانكس و«ك ـ 19: مـُرمّل النساء» مع هاريسون فورد. ايضا «ستيوارت ليتل 2» و«هالووين ـ 8».

شهر اغسطس (آب) يحتوي على «xxx» مع فان ديزل و«علامات» مع ميل غيبسون و«مغامرات بلوتو ناش» مع ايدي مورفي و«سباي كيدز 2» مع انطونيو بانديراس.

يمكن رسم أكثر من خريطة لهذا الموسم المتفجر فعلى صعيد الممثلين هناك عدد كبير من النجوم الذين يضعون في حساباتهم نجاح هذه الأفلام رغبة في تعزيز مستوياتهم الشخصية: الى جانب بانديراس وفورد وهانكس ومورفي وهوبكنز وسميث ومات دامون، هناك جوليا روبرتس التي ستظهر في فيلم بعنوان «واجهة كاملة» وكلينت ايستوود الذي سيعود في «عمل دموي» ومايك مايرز الذي يشحن فيلمه «اوستن باورز 3» بعمليات ما بعد التصوير حاليا، وآل باتشينو الذي نراه في فيلمين متلاحقين «ايسونميا» و«سيمون» وغوينيث بالترو في «امتلاك» وروبين ويليامز الذي يقود «صورة في ساعة» وساندرا بولوك في «أسرار اخوات يايا» من بين آخرين عديدين.

* تونس الغريبة

* لكن الخريطة الأكثر الهاما، هي تلك المتعلقة بظاهرة إعادة صنع افلام او تحقيق أجزاء جديدة من أفلام سابقة. صحيح أن انتاج حلقات متوالية ليس أمرا جديدا ابدا، لكن عدد الأفلام التي أمّت هذا الطريق أكبر من عددها في الصيف الماضي، او في اي صيف فائت.

في المقدمة طبعا «ستار وورز ـ الفصل الثاني» الذي هو خامس الأجزاء من هذه المغامرة الفضائية. جورج لوكاس، منتج ومخرج هذا الفيلم ممتنع الى الآن عن توفير المعلومات الرسمية حوله. ما يكتب منذ حين بشأن الفيلم هو استنتاجات مع أحاديث من موقع العمل، انما بصورة غير رسمية. ليس هذا فقط، بل ـ كما فعل لوكاس سابقا ـ يختار المخرج الصحف التي يريد الحديث اليها او ارسال الصور المسبقة لها. المعروف لمن تابع هذه السلسلة من أواخر السبعينات الى اليوم، هو أن الفصل الأول الذي خرج قبل عامين والفصل الثاني الذي يخرج هذا العام، ثم الثالث المنوي انتاجه في عام 2004، تدور أحداثها قبل الأجزاء الثلاثة السابقة «ستار وورز» (1977) و«الامبراطورية تضرب من جديد» (1980) و«عودة الجيداي» (1983). ما يعني أن عبقرية لوكاس تدفعه للعودة الى ماقبل الثلاثية السابقة زمنا، اي الى مرحلة زمنية أقرب الى الحاضر. رغم ذلك، العالم الذي يصوّره لنا لوكاس الآن لا يخلو من الغرابة في المحيط والشخصيات والتصاميم الفنية. حتى الصحراء التونسية التي استوعبت تصوير هذا الفيلم (لجانب استيعابها الأجزاء السابقة كلها) لا تزال تبدو غريبة كما لو كانت فعلا على كوكب آخر «أوستن باورز 3» و«سباي كيدز 2» هما فيلمان من فصيلة واحدة. كلاهما كوميديات تنهش في جسد الأعمال الجاسوسية الجادة. الأول، على الأخص، يلقي بثقل نكاته وظله على سلسلة أفلام جيمس بوند. العنوان الكامل لهذا الفيلم هو «اوستن باورز في العضو الذهبي Austin Powers in Gold member وهو عنوان قصد به أن يكون سخرية من فيلم جيمس بوند Gold finger ما أثار شركة مترو غولدوين ماير وشريكتها يونايتد آرتستس (مالكتا سلسلة بوند) وهددت باللجوء الى المحكمة حفاظا على هيبة بوند. شركة نيولاين منتجة »اوستن باورز» سعت لحل وسط وربحته: هذه المرة تسمح مترو لنيولاين استخدام هذا العنوان. في المرّات المقبلة لن يتم اختيار عنوان لأي جزء مقبل من اوستن باورز الا بعد اذن مسبق من مترو.

«سباي كيدز 2» هو ايضا جاسوسي لكنه أكثر جدية في مغامراته. انطونيو بانديراس وكارلا كوغينو وداريل سابارا و أليسكا فيغا هم افراد عائلة واحدة: الأب والأم جاسوسان محترفان والولدان جاسوسان هاويان والأربعة يشتركون في مغامرة واحدة يكتشفون فيها هذه المرة قبورا مهجورة ومكائد لقلب نظم العالم فوق ما هي مقلوبة ثم هناك بالطبع سلسلة «هالووين» الشهيرة.

هذه من انتاج مصطفى العقاد الذي لا يزال اسمه يحتل الشاشة قبل العناوين، وهي اذ انطلقت في السبعينات ايضا، عرفت كيف تحافظ على نوعيتها الخاصة. صحيح أنه ليس كل الأفلام السبعة السابقة من السلسلة كانت متساوية النجاحات، لكنها جميعا ساهمت في إبقاء الاهتمام بذلك القاتل المقنـّـع الذي، كالشر في عالمنا، لا يريد أن يموت. كذلك ليست هناك رغبة لدى العقاد في إماتة هذه السلسلة ولا لدى شركة ميراماكس (التي تسلمت زمام التمويل) النية في إخماد نارها.

* أفلام تقتبس من نفسها

* اما ظاهرة اعادة تحقيق أفلام سبق لها أن انتجت ـ وربما بنتائج فنية أفضل ـ فمتمثلة بفيلم «غير المخلصة». انه دراما عاطفية يقودها ريتشارد غير وديان لين والوجه الفرنسي الجديد اوليفييه مارتينيز، مقتبسة عن فيلم المخرج الفرنسي الرائع كلود شابرول وعنوانه «امرأة غير مخلصة». «هوية بورن» هو فيلم مقتبس عن فيلم تلفزيوني تم انتاجه سنة 1988 من بطولة ريتشارد شامبرلين. الفيلم الجديد لديه حفنة أكبر من الممثلين المعروفين يقودها مات دامون وتحتوي على جوليا ستايلس وكريس كوبر. كذلك على ميزانية كانت تكفي لإنتاج أربعة أفلام تلفزيونية حينها. القصة لا تزال تدور في إطار مهمة رجل فقد ذاكرته ويحاول استرجاعها وسط أحداث عاصفة.

كذلك هناك «مستر ديدز» الذي يقود ادام ساندلر بطولته في استيحاء واضح من فيلم فرانك كابرا مع غاري كوبر وهو «مستر ديدز يذهب لواشنطن» (1936). الفتى الذي يحمل في ذاته نقاوة القيم الاجتماعية محاولا سبر طريقه وسط اشواك المجتمع وأهل السياسة.

في باطن كل هذه الأفلام حكمة هوليوودية جديدة مفادها أنها لا تخشى لو أن المشاهد يعرف تماما ما هي القصة قبل العرض، ولا اذا ما استوحى من المناظر المسبقة تفاصيلها واجواءها. مضت أيام ما كانت المشاهد المسبقة تحاول جذب المشاهد المحتمل بغموضها. اليوم تريد أن تقدم له القصة بوضوح واثقة من أنها الطريقة الصحيحة لجذبه. والمرحلة الحالية هي أن يكون الفيلم مفاجئا فقط بعناصره الإنتاجية ومؤثراته، وليس بجديده.