سؤال الهوية في معرض لحروفيين عرب ومسلمين في لندن بين التقليدي والمعاصر

TT

استقبلت قاعة اكتوبر بوسط لندن معرضا ضم اعمالا فنية لعدد من الحروفيين والخطاطين العرب والمسلمين.

ويأتي هذا المعرض في نطاق جهد ومتابعة كبيرين قامت بهما منسقة المعرض السيدة السعودية لولوة الحمود التي صرحت لـ«الشرق الأوسط» بانها بدأت بالتحضير لهذا المعرض منذ مدة طويلة، وكانت تأمل في اقامته في احدى قاعات لندن الكبرى.

وأضافت لولوة التي توجت بحوثها في الخط العربي بحصولها على شهادة الماجستير من احدى مدارس الفن العليا في لندن ان تسعة فنانين من سبع دول عربية واسلامية شاركوا في هذا العرض الذي يعكس التطور الذي بلغه هذا الفن المعبر عن الثقافة الاسلامية، والشخصية الابداعية للفنان المسلم.

تنوعت اساليب الفنانين المشاركين، وتقنياتهم، وطريقة تناولهم للحرف العربي بين من سار على المنوال التقليدي الذي عرف به كبار قدماء الخطاطين، والذين اعتمدوا بشكل اساسي على كتابة سور القرآن الكريم، والاحاديث النبوية الشريفة، والتزموا باشكال الزخارف النباتية والهندسية التي ابتدعوها، والتي تتميز بخصوصيتها اللونية البهيجة، وادخال اللون الذهبي، والدقة المتناهية، والتكرار، والتناظر التي تؤدي الى اشكال لانهائية تملأ الفضاء كله لتوحي باعلى درجات الاعجاز المعبر عن الذات الالهية، وهو ما مثله الباكستاني رشيد بوت. اضاف بوت معالجة اخرى معروفة على بعض لوحاته عندما كتب مقاطع من ادعية، أو اسماء الله الحسنى على رقائق تبدو كالجلد العتيق الممزق.

اتجاه آخر مثله في المعرض ثلاثة فنانين عرب عرفوا بابداعاتهم على مدار سنوات طويلة سابقة، وهم المغترب الليبي علي عمر الرميص الذي يعرف خطأ بأرمز، والعراقي المهاجر حسن المسعودي (باريس)، والتونسي نجا المهداوي.

تتجسد المقاربة بين اعمال الفنانين الثلاثة على وضع حرف واحد او عدة حروف في مركز اللوحة، وابرازها حجما ولونا وتقنية لتستحوذ على كامل انتباه المشاهد، كما يعمد كل من الفنانين الى توزيع مقاطع من نصوص (اقوال مأثورة ـ قصائد شعر) حول التكوين الحروفي المهيمن (في لوحات الرميص ـ المهداوي) واسفل التكوين الحروفي في لوحات المسعودي.

يستخدم الرميص صبغة الاكريليك في تنفيذ لوحاته التي تتميز باحجامها الكبيرة قياساً لاعمال زميليه، ويعتمد تقنيات اللوحة الحديثة في معالجة السطح التصويري للوحاته متحررا من قوانين اللوحة الخطية التقليدية، وهو ما عرف عن العديد من فناني جماعة البعد الواحد، وخاصة الفنان شاكر حسن آل سعيد. وبهذا اضاف بعداً وجدانيا الى الابعاد الروحية، والفكرية، والجمالية للوحة.

كان الرميص حاضراً في حفل الافتتاح، وفي جواب على سؤال حول رؤيته لعمله الفني، قال: «يتركز بحثي على ايجاد طريقة لاستخدام الحرف العربي كسمة من سمات الهوية العربية الاسلامية بشكل ظاهر، وبدون تعقيد، فللحرف امكانيات جمالية وفنية ينافس، ويتقدم الانجاز التشكيلي المعاصر، ففيه تفرد، وبحث عن طرق جديدة للافصاح عن القضايا، والهوية، ولا تخجل من انتمائها».

اللمسة الانية المتحركة للفرشاة، وما يتركه امتلاء الريشة او جفافها من تأثير على سطح اللوحة يضيف بعدا زمنيا للحروف التي يخطها المسعودي.

والمسعودي خطاط على درجة كبيرة من المهارة، وهو يخط بريشة عريضة متسارعة حرفا او عدة حروف باحجام تحتل معظم مساحة اللوحة، ويصنع منها تكوينات اخاذة يستخدم فيها الوانا براقة كالفيروزي والبرتقالي، بالاضافة الى الوان اخرى للكتابات التي تقبع باستقامة تحت كتلة الحرف الرئيسية.

ويتميز التونسي نجا المهداوي في خلق لوحاته على الايقاع الموسيقي المرهف للحروف الغزيرة المتلاصقة التي يسترسل في كتابتها على سطوح لوحاته بتكوينات مختلفة.

وغالبا ما تدور كتاباته الكثيفة الناعمة هذه في محيط الحروف المكبرة التي تتغير اماكنها من لوحة الى اخرى.

يضفي المهداوي على سطوح لوحاته في بعض الاحيان مسحة من التعتيق، كما انه يقتصد في استخدام الالوان، فيستخدم اللونين الاسود والابيض او يضيف لونا احمر او اي لون آخر ينسجم مع جو اللوحة، ويلجأ في احيان كثيرة الى ادخال اشكال هندسية كالمربع أو الدائرة، او المعين ليخلق تركيبة تصميمية حاذقة ومحكمة.

وتذهب الاميرة وجدان علي في رسم لوحاتها الحروفية مذهبا آخر، فهي تقطر الحروف حتى تختار منها حرفا واحدا تضعه في المنزلة الاولى من اللوحة كما فعلت في لوحاتها «الباء» حين جعلت من هذا الحرف مساحة واسعة من اللون الاسود بتدرجاته تفصل بين مساحتين من الازرق والازرق ـ لعلهما ـ السماء والبحر، وهي تغمر سطوح لوحاتها باللون كما يفعل الرميص لتكون من الفريق الحروفي المنحاز الى جماعة البعد الواحد.

تلتقي الفنانة الفلسطينية ليلى الشوا بالفنان اللبناني سمير الصايغ في استخدامها للحرف الهندسي المعروف بالكوفي، وهو الحرف عينه الذي استخدمه البريطاني ـ من اصل باكستاني ـ تجمول حسين في العديد من لوحاته.

وفي حين توزع الشوا وحداتها الخطية التي تسكب بعضها في قوالب مكررة من اشكال مربعة، وتضعها متحركة داخل فضاء متناثر الالوان يعمد الصايغ الى غلقها، وسكبها في تكوين واحد ينتهي عند الحدود الخارجية للوحاته الاحادية اللون.

شذت الشوا عن هذه القاعدة في لوحة واحدة وخرجت كذلك عن اعتماد خطها الكوفي الاثير، والطابع الجمالي المتعدد الالوان الذي يغلب على لوحاتها، فابدعت لوحة حروفية حرة وعفوية عالجتها بتقنيات طباعية على درجة عالية من الابداع والحيوية.

وانتمت مشاركة الفنانة العراقية ميسلون فرج الى فصيلة اشارية خارجة عن قوانين الحروف والخطوط العربية وبالتالي عن مضمون المعرض.

هذا الخروج كان، وباعتقادي، خروجاً ابداعياً من الفنانة ميسلون عن خط اعمالها السابقة.

شاركت ميسلون بمجموعتين من اللوحات الفخارية المجسمة، واحسنت في تجريد احداها من اللون والحرف محققة بذلك سطوحاً مجردة متوجة بعين كبيرة يخترقها هلال اوحت بالتقاء نعمة البصر بنفاذ البصيرة عند الانسان المسلم.