التشكيلي السوداني حسان علي أحمد: أنا وبيكاسو تمنينا أن نرسم كالأطفال

TT

الفنان التشكيلي السوداني حسان علي أحمد، رغم انشغاله بكتابه الثالث للأطفال «كيف يلون اطفال النوبة بيوتهم» بعد ان فاز بجائزتين في مسابقة نوما باليابان «الوحشي القريب» عام 1986و«قرية الفراشات» الذي نشر بثلاث لغات العربية والفرنسية والايطالية عام 1996، لم يتوقف عن اقامة معارضه في مصر التي يعيش فيها منذ أكثر من عشر سنوات، ويؤكد في حواره مع «الشرق الأوسط» ان حركة الفن التشكيلي في السودان مهمشة رغم انها نشيطة ومتطورة في العالم، وأن وجوده في القاهرة أتاح له فرصة أرحب للوقوف على التطور في هذا المجال سواء في مصر أو بقية العالم.

* من أين ومتى بدأت مع اللون؟ وماذا عن مساحة الأسود والأبيض في لوحاتك؟

ـ تجربتي الأولى كانت مع «البنيات» الألوان البنية، وعلى ما أظن هي علاقة بين ماء النهر في الدميرة والصحراء والجبال، بالاضافة الى كنيسة فرس، بجدارياتها التي يطغى عليها اللون الأصفر والبني بدرجاته المختلفة، والحقيقة أنني حتى الآن مازلت أعشق البنيات خاصة في الرسم، اسود وأبيض، بني وأبيض وقد استمرت التجربة باللون الواحد «الأسود والبني» حوالي ست سنوات، ثم بعد ذلك بدأت محاولاتي مع الألوان الأخرى التي مازالت مستمرة حتى الآن بكل نجاحاتها وخيباتها، وهذا الجدل ما بين النجاح والفشل هو المرتكز الأساسي لضرورة التطور والتركيب الجديد الذي يحدث نتيجة لذلك.

* الأمل وأنت تجلس على كرسي لساعات طويلة وأنت تنظر للوحاتك المرسومة من قبل هل هذه هي طقوسك للدخول للمجال اللوني وبداية الرسم؟

ـ الدخول الى اللوحة عندي يبدأ من الذاكرة البصرية، صورة «Image» تحتل مساحة مني وتؤرقني، لتتطور عندي قبل البدء، فأذهب الى المرسم ليبدأ الطقس اليومي، فتلك ممارسة يومية، تتلاشى تلك الصورة وتبدأ أخرى من مشاهداتي وتجوالي في المكان والزمان، ويقفز شيء ما، فتكون البداية نقطة، تتطور الى خط، الى مساحة تتداخل الاشياء وتتصارع الألوان والخامات المختلفة، فيكون التأمل والممارسة والفعل هبوطا وصعودا، حذفا واضافة، تتشكل الاشياء من اللاشيء، تتطور ثم تكون لوحة أو لا لوحة، ثم تبدأ مرة أخرى وتستمر ويتواصل التجريب اللانهائي، فاللوحة عندي تبدأ من مخالفتها للمكرر والنمطي والمؤسلب حيث أن أهم سمات الإبداع فعل التجاوز وليس فعل المراكمة.

* روح القرية النوبية نراها دوما منسالة ومشرعة من اجساد لوحاتك الفنية، فما مدى تأثرك بها وهل مازجت بينها وبين حضارات أخرى؟

ـ الانسان أو الفنان ابن بيئته وبحكم المولد والمنشأ تأثرت بالمنطقة النوبية وبكل ما تزخر به من طبيعة وتراث فني زاخر واثار ومعابد تحكي قصة واحدة من أقدم الحضارات في القارة الافريقية، وقد كانت تنافس الحضارة المصرية القديمة أحيانا، وقد قال الاستاذ مخاوسكي استاذ كرسي الدراسات النوبية بجامعة اكسفورد ومكتشف كنيسة «فرس» ما معناه ان معرفة الفن البيزنطي لن تكتمل ابدا الا بدراسة التصوير المسيحي النوبي، ولذلك تجدينني مهموما بالتراث الى حد ما. ولكني أرفض استلهامه بطريقة «فجة» وبما انني جزء من الحضارة النوبية فلقد تأتيني بعض الموتيفات حتى بدون وعي مني، وبما أنني أجرب كثيرا ولا أتقيد بشيء يؤطرني فإنني منفتح على كل التجارب والحضارات والثقافات اللاحقة والتابعة، خاصة ان الفضاءات المفتوحة تتيح للفنان مساحة أرحب للتجريب والبحث.

* حدثنا عن دخولك الى عوالم الاطفال لونيا، وكيف وجدت التعامل مع رسوماتهم؟ وما هي أبرز الجوائز التي نلتها في هذا المجال؟

ـ زار بيكاسو احد معارض الأطفال وعندما شاهد رسوماتهم «قال انه عندما كان في مثل عمرهم كان يرسم كرافائيل ولكنه الآن لا يستطيع ان يرسم مثل الاطفال». وأنا أيضا أتمنى أن أرسم مثل الاطفال بدون قيود، حرية مطلقة، كطائر يحلق في السماء، ولكن هيهات! انجذبت برسوماتهم وألوانهم في البدء، ودخلت الى عالمهم وقلت لنفسي أجرب ان أرسم وأكتب للاطفال، تأتيني الفكرة بسيطة وابدأ بالرسم والتلوين وتأتي الكتابة لاحقا، وفي الغالب استعين بأحد الكتاب أو الاطفال لأن الكتابة لهم صعبة وذلك ليس من تخصصي، والحقيقة انني أتمنى أن يكتب الاطفال لأنفسهم، وعن مشاركاتي بكتب الاطفال فقد شاركت في مسابقة نوما باليابان عام 1986ونلت جائزة عن كتابي «الوحشي القريب» ومرة أخرى عام 1996عن كتابي «حرية الفراشات» الذي نشر باللغتين الفرنسية والايطالية قبل أن ينشر بالعربية. أما كتابي الثالث الذي أعمل عليه الآن فهو بعنوان «كيف يلون أطفال النوبة بيوتهم».

* الفنان التشكيلي السوداني هو الأكثر شكوى من التجاهل والتهميش فما هي الأسباب من وجهة نظرك؟

ـ من الطبيعي ان يشعر الفنان التشكيلي السوداني بالتهميش والتجاهل ، خاصة ان الفن التشكيلي في حد ذاته يعاني من ذلك التهميش والتجاهل، بل والتحريم في بعض الأحيان، ولك ان تتساءلي أين التشكيل في حياتنا وفي المؤسسات التعليمية وفي الأجهزة الاعلامية المسموعة؟ في اعتقادي أن هنالك غيابا للفن التشكيلي، أو بشكل أدق تغييبا للفن ودوره.

* وكيف ترى الحركة التشكيلية العالمية. وما مدى تأثير احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) على سوق الفن التشكيلي العالمي من وجهة نظرك؟

ـ حركة نشيطة ومتطورة وأحاول جهدي أن أتابع ولو القليل من خلال الوسائط المتاحة من كتب ودوريات ومعارض وفضائيات، والحقيقة ان وجودي بالقاهرة قد أتاح لي فرصة أرحب للوقوف على التطور في هذا المجال سواء في مصر أو بقية العالم، حيث أن القاهرة تعتبر مركزا نشيطا في تنظيم المعارض المحلية والعالمية. أما عن أحداث11سبتمبر فمن المؤكد انها أثرت في الاقتصاد العالمي برمته، وبما أن الفن سلعة «للأسف» فذلك التأثير حتمي لا محالة، وقد كنا في السابق ضد تسليع الفن، ولكن الآن حتى «البني آدم» أصبح سلعة، خاصة بعد اكتساح الرأسمالية لكل شيء ورغم ذلك فقد يعيد التاريخ نفسه وهناك حضارات كثيرة سادت ثم بادت، وقد يبدو ذلك مجرد حلم.

* وماذا عن مشاركاتك التشكيلية الأخرى وعدد الدول التي زرتها وفي ايها شعرت بالاهتمام الجماهيري تجاه الفن التشكيلي؟

ـ عرضت في كثير من الدول حيث زرت بعضها والبعض الآخر زارتها لوحاتي بمفردها، اذكر منها المانيا، اسبانيا، ايطاليا، فرنسا، بولندا، اميركا «فلوريدا»، الأردن، الشارقة، جوهانسبرج، قطر، سلوفاكيا، موسكو، اريتريا، كينيا، كندا وسورية. كما أتمنى أن أعرض في دول أخرى خاصة الدول الافريقية فهي قريبة من نفسي، أما معارضي التي حازت اهتماما اكثر بها فقد كانت في المانيا واسبانيا وهو ليس بالاهتمام الجماهيري، إن التشكيل في حد ذاته ليس جماهيريا كالغناء والسينما مثلا.