الود المفقود بين هوليوود والعرب

كل شيء عن فيلم أوليفر ستون حول الزعيم ياسر عرفات

TT

الفيلم الذي ينوي المخرج الأميركي أوليفر ستون تنفيذه عن الرئيس ياسر عرفات ليس مشروعا في الهواء. بل هو واقع يتحوّل كل يوم وليلة الى حقيقة بفضل تمويل فرنسي (من «استديو قنال» الفرنسية) واندفاع وحماس من المخرج الأميركي أوليفر ستون.

كما أشرنا في هذه الصفحة قبل ثلاثة أسابيع، صوّر صاحب «فيلق» Platoon و«مولود في الرابع من يوليو» Born on the 4th of July، و«جون ف. كندي» JFK و«مولودون قتلة بطبيعتهم» Natural Born Killers، فيلما تسجيليا عن الزعيم الفلسطيني يستعرض فيه جوانب الوضع الفلسطيني الراهن. هيرب كينون ووكتب في صحيفة «جيروسالم بوست» قبل أيام: «اذا ما كان الفيلم التسجيلي عن ياسر عرفات قريبا من الحقيقة كما أفلام (ستون) عن جون ف. كندي وريتشارد نيكسون فإن اسرائيل لديها دافع للقلق».

أوليفر ستون نفسه صرّح لصاحب عمود يومي في مجلة «فارايتي» السينمائية اليومية التي تصدر من لوس أنجليس قائلا: «لا آخذ مواقف لكني أتفهم قضية الفلسطينيين ولا أؤيد العنف لأنه يقضي على أبرياء»، لكن ستون يسارع مضيفا: «لكن المستوطنين أمر آخر. هؤلاء الإسرائيليين ليس لديهم اي شغل في الضفة الغربية. هؤلاء عليهم مغادرة الضفة الغربية». وشبّه وضع المستوطنين بأوضاع المستوطنين الأوائل في الغرب الأميركي واقترح فريقا ثالثا ليتدخل بين الفرقاء كما «فعلت الأمم المتحدة في الصراع بين الأتراك واليونان في السبعينات».

على الرغم من ان كلماته منتقاة ولا تظهر ميلا مغاليا للقضية الفلسطينية ولا تدعو لغير السلام بين الطرفين، الا أنها كافية لأن يهب، من غياهب النسيان، المخرج الأميركي الآخر ويليام فرايدكن لكي يهاجم ستون ويدافع عن السياسة الإسرائيلية معتمدا على ما يردده عادة المؤيدون لإسرائيل من أن لدى الدولة المذكورة حق الدفاع عن النفس وأن اسرائيل أحتلت الضفة الغربية بسبب الحرب التي شنتها عليها «القوى العربية» في السبعينات. ثم هاجم الأمم المتحدة لأنها برهنت على أنها «طرف مؤيد للفلسطينيين»، كما يقول.

إثر هذا الهجوم، أقدمت الشركة البريطانية «وايلد بانش»، وهي الذراع التوزيعي «لاستديوكانال» على نفي أن الفيلم يتقرّب لياسر عرفات. وقالت: «لا شيء في تاريخ حياة اوليفر ستون السينمائية يعطي اي إشارة على انه معاد لإسرائيل». واضافت ردا على مقالة «جيروسالم بوست» التي بثت سمومها في الموضوع: «بالنسبة للمقابلة المصوّرة مع ياسر عرفات، قام ستون بإجراء مقابلات أخرى مع ثلاثة من رؤساء وزارة اسرائيليين سابقين هم شيمعون بيريس وبنيامين نتانياهو وايهود باراك».

هذا ليس كل ما حدث مما يسترعي الإنتباه مؤخرا في هوليوود. تد تيرنر، الذي أسس محطة CNN وصاحب عدة محطات تلفزيونية أخرى، صرّح ايضا بتفهمه «للسبب الذي من أجله يحارب الفلسطينيون من أجل وطن». وهذا ـ بدوره ـ تسبب في إثارة لغط حول موقفه. لكن تيرنر، مثل ستون، شخصية سينمائية رئيسية في الوسطين السينمائي والإعلامي مما يجعله قادرا على هضم المعارضة والاستمرار بمنهجه الذي اختطه.

* شيخ وصقر

* هوليوود والعرب عنوان لتاريخ قديم جدا من العلاقة المترنحة بين مفهومين وثقافتين وحضارتين. واحدة انتجت افلاما حول الأخرى، والثانية بالكاد اكتفت بالحديث عن نفسها قليلا. هوليوود تعرّضت لما هو عربي، سلبا ام ايجابا، خلال وثبة من الأعمال الروائية الصامتة القصيرة قادتها فرنسا أساسا. أفلام مبكرة من سيغوندو دي شومو وجورج ميلييه وبول كابللاني من بين آخرين، وإنتاجات (لمخرجين مجهولي الأسماء) للأخوين لوميير (بينها ستة 1896 أول فيلم يتم تصويره في فلسطين وهو «مغادرة القدس بالقطار». هوليوود لم تكن بعيدة عن الإهتمام بالعالم العربي كمكان غريب، تماما كما كانت أفريقيا «السوداء» في ذلك الحين ومناطق أخرى من العالم.

وهناك الكثير مما يمكن ملاحظته في هذا المجال، أولها أن هوليوود لم تكن دائما ضد الصورة العربية او الإسلامية. كثيرا ما كانت لكنها لم تكن دوما. المسألة كانت تتبع ما يعتنقه كل سينمائي فرديا وعلى حدة. لكن الرغبة في توريد الغريب والخيالي للجمهور من ناحية، والحاجة الدائمة لأشرار غرباء ضد أخيار من البيض أساسا، جعل المسلم والعربي يبدوان نموذجيان لمعاملة غير لائقة او متحضرة. ذاتها المعاملة التي تعرّض اليها المواطنون الأصليون لأميركا الشمالية (المسمّون غصبا الهنود الحمر) والسود الأفارقة في افريقيا كما في الولايات المتحدة.

«الشيخ» لجورج ملفورد، الذي زار سينمائيا الموضوع العربي عدة مرات، ليس أول فيلم قدّمت فيه هوليوود شخصيات عربية. تم تحقيقه سنة 1921 بينما أول فيلم أميركي الإنتاج تطرّق لموضوع عربي يعود الى أواخر القرن الثامن عشر، وأول فيلم روائي في هذا المجال الى العام 1912 لكن «الشيخ»، مع رودولف فالنتينو في الدور الذي طبع صورته في قلوب الأميركيات، هو السهم الذي ضل طريقه فأصاب مقتلا، عوض أن يجرح فحسب. هو التصوّر القاصر للعادات العربية ولوضع المرأة ولمفاهيم المجتمع الإسلامي مدموجة عبر قصة العربي الذي تستهويه أجنبية. تصدّه. يخطفها عربي شرير. يهب العربي الأول لنجدتها بشهامة. نعم بشهامة لولا أننا نكتشف أن العربي ليس عربيا أساسا بل هو فرنسي فقد والديه وتبناه أب عربي.

من الجدير بالذكر أن مفاهيم مماثلة كثيرا ما ترد حتى الآن وإن كانت تتخفى في أشكال متعددة. «المومياء» ينتهز فرصة بحثه في موضوع فرعوني ليقتنص من شخصيات عربية (مصرية) حديثة. «عودة المومياء» فعل ذلك بدرجة أقل، لكن الفيلم الثالث ذا المنوال القريب وهو «سكوربيون كينغ» ألغى المقارنات الفرعونية ـ العربية تماما كون القصة لم تدر في زمانين وعالمين مختلفين.

«الشيخ» استقبل جيدا حينها (قبل أن ينسحب الإعجاب عنه تدريجيا) لكن الفيلم الأفضل منه عمليا فنا وموقفا (وأقل شهرة ايضا) هو «صقر البحر» لفرانك لويد الذي خرج في العام . بطل الفيلم نبيل انجليزي اتهم بجريمة لم يرتكبها فيركب البحر. قراصنة اسبان يستولون على السفينة ويحولون ركابها الى عبيد تحت اسياط لاهبة. لجانبه ابن أمير عربي وحين يهب الأمير لنجدة ابنه وتحريره ينطلق النبيل الإنجليزي مناصرا العرب الذين يستولون على السفينة ويحررون عبيدها، ولو أن غايتهم في النهاية لا تختلف كثيرا، فهم ايضا يتعرّضون للسفن الأوروبية الأخرى. هذا النبيل يُسلم ويتبنى شخصيته العربية الجديدة ويتعامل معها بإخلاص وهذا الموقف يستمر حتى النهاية من دون لف او دوران او تنازلات.

* إيجابيات

* لا بد من القول أن المفهوم الهوليوودي لما هو اسلامي وعربي لم يكن وليد قصور في الثقافة فحسب. بل نتيجة لردود أفعال على الأوضاع السياسية. هل كان يمكن أن يعادي العرب اسرائيل من دون مثل ردة الفعل هذه؟ هل كان يمكن للعمليات الفدائية الفلسطينية ان تتم في السبعينات ضد أهداف اسرائيلية دون أن يهب التأييد الطائفي والعنصري ليدافع عن اسرائيل ويهاجم العرب؟ ثم هل كان من الممكن أن تشهد الساحة ثلاث حروب ضد الكيان الإسرائيلي من دون التزام هوليوودي بأعمال معادية؟

عقد وراء عقد، كانت هوليوود تعكس الموقف في واشنطن تجاه الوضع في العالم العربي مضافا اليه الرغبة في النيل من الشخصية تراثيا وثقافيا ودينيا وسياسيا. والمضي في ذلك انتقل من جملة من الأفلام الساذجة المستلهمة من حكايات ألف ليلة وليلة، الى جملة من الأفلام ذات الأذى المقصود. «بروتوكول» لهربرت روس، «جوهرة النيل» للويس تيغ، «الصقر الحديدي» لسيدني ج. فيوري «مُـعرّض» لجيمس توباك، «سلطة» لسيدني لوميت، ليست سوى حفنة من الأفلام المعادية (والتي تطرح جوانب سياسية محددة كالدكتاتورية، الفساد، الأعمال الموصومة بالإرهاب والسذاجة الأميركية تجاه العرب داعية لإتخاذ مواقف أشد) التي خرجت في العقود الثلاث الأخيرة.

لذلك كان من المقبول جدا قيام المخرج الفرنسي (يوناني الأصل) كوستا ـ غافراس بإنجاز فيلمه الرائع «هاناك» حول الصراع على الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأكثر منه فعلا حول العالم الفيلمان اللذان حققهما مصطفى العقاد «الرسالة» و«عمر المختار». مثل هذه الأفلام كانت ضرورية ولو أنها لم تقصد أن تكون ردا مباشرا على الأفلام المعادية للشخصية الإسلامية او العربية حيث المناضل في سبيل قضيته السياسية ارهابي، وحيث الثري العربي أبله وشره ومدعاة للسخرية لبلاهته.

* حصار على «حصار»

* اذا ما بدت الصورة اليوم غير متغيرة ففي ذلك ابتعاد عن الواقع من حيث أنه بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) لم تظهر بعد أفلام معادية للعرب. من ناحية من المبكر الوصول الى نتائج تخوّل الكتّاب الإستناد اليها في أعمالهم حتى ولو كانت خيالية، ومن ناحية أخرى لأن الصورة تجاه العرب كانت بدأت تتحسّن قبل أن ينسفها المدعو بن لادن بين ما نسف من احتمالات وئام وسلام.

في «جريمة كاملة» A Perfect Murder اخراج: اندرو ديفيز ـ 1998 يتم تقديم تحر عربي الأصل (أداه اليهودي ديفيد سوشيه صاحب حلقات «هركيل بوارو» التلفزيونية) يساعد غوينيث بولترو على إحباط محاولة زوجها (مايكل دوغلاس) للخلاص منها. صورته أبعد ما تكون عن الكاريكاتورية التي عرفتها تلك الشخصيات سابقا.

في ذات العام هبّت علينا عاصفة سياسية ايجابية أكثر أهمية عندما أخرج ومثل وورن بيتي «بولوورث». هذا الفيلم الذي لم يُقدر حق قدره، يتحدث عن البيت الأبيض (عهد كلينتون) من خلال ربط غيرته على العالم العربي بمصالحه فيه. وزوجة وورن بيتي، آن بانيت، مثلت «حصار»، الذي هوجم عربيا بشدة لكن الفيلم نظرة معتدلة تدين السي آي ايه وتدين المنهج العسكري الأميركي كما التطرّف العربي الذي يدينه معظمنا. وبانيت قالت لهذا الناقد صراحة ان السيناريو الذي كتب قبل التصوير ولم يؤخذ به كان معاديا للموقف العربي، لكنها و(الممثل اللبناني الأصل) توني شلهوب عمدا الى تغيير حواره وإضافة شرح لموقف الشخصية الفلسطينية في الفيلم عوض أن تمر أمام العين كنموذج ارهابي فحسب.

ثم كيف يمكن أن ننسى «روبين هود أمير اللصوص» لكيفين رينولدز 1992 وشخصية المحارب المغربي (أداها مورغن فريمان) النبيل والإيجابي؟ وماذا عن فيلم «ثلاثة ملوك» لديفيد أو. راسل و«المحارب الثالث عشر» لجون ماكتيرنن؟ ألم يكن المشهد الذي ينص على أن أميركيين سيقدمون على تفجير عبوّة ناسفة والصاق الجريمة بعربي بريء في فيلم «قبلة الليل الطويل» دلالة على شيء؟

صحيح أن الأفلام المعادية لم تتوقف، لكن هذا العدد المفاجئ من الأعمال التي ـ على الأقل ـ سعت لتقديم صورة تنطلق من موزونة لتنصب في خانة التأييد كان بداية تحوّل مهم لم يسبق للسينما الأميركية أن شهدته. لأن السينما تستطيع أن تكون كل شيء تريد ما عدا الوصول الى من لا يؤمن بأهميتها كرسالة إعلامية، لم يفوّت الإعلام العربي مثل هذه الفرص لتقديم اسهامات مماثلة فقط، بل أعادت جماعات متطرّفة، لا فرق لأي طرف انتمت، العقارب الى الوراء وأوقفت هذا التحسين الذي طرأ على العلاقة بين هوليوود والعرب، وسعت لإحباط اي تقدم في اي مجال آخر ايضا.

وبما أن معظم الأفلام المعروضة اليوم هي من كتابة وتصوير وتنفيذ ما قبل الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، فإن أثر التغيير الإيجابي كان لا يزال منسحبا. ففي «كفاية»، وهو فيلم من اخراج البريطاني مايكل أبتد، انتجته هوليوود (وانتهى تصويره قبيل حادثة الحادي عشر من سبتمبر هناك صورة ايجابية لعائلة عربية مسالمة وداعمة لوضع المرأة الغربية المهدورة حقوقها (جنيفر لوبيز).

وتجد في «مجموع كل المخاوف» رقابة ممارسة سلفا أدت الى اختزال كل ما هو معاد عمليا للعرب (كما ورد في رواية توم كلانسي) والسماح بنظرة متوازنة الأشرار فيها جنوب افريقيون ونمساويون ونازيون والسذّج جنديان من اوكرانيا. اما الراكب عقله بلا فهم للمسؤولية المصيرية فهو الرئيس الأميركي كما مثله جيمس كرومويل.

=