بين الافلام

TT

* القدس لنا... يقول «عرس رَنا»

* «القدس، يوم آخر»، او «عرس رنا» في عنوان آخر، فيلم هاني أبو أسعد الطويل الثاني والأول له في فلسطين. كذلك الأول من إنتاج وزارة الثقافة. وهو واحد من ثلاثة أفلام فلسطينية خرجت هذا العام. وكما هو متوقع فإن الموضوع يتعلق بالوضع المتدهور الذي يعيشه الفلسطينيون في ظل الاحتلال. لكن في حين أن «بث مباشر» لرشيد مشهراوي يتناول الوضع تسجيليا و«يد إلهية» يتناوله في مزيج بين التغريب والتجريب، ينحو «القدس، يوم آخر» الى الواقعية. حجم التأكيد على تفاصيل الحياة واحد من عناصر هذه الواقعية. العنصر الآخر إبقاء كل شيء في إطار التداول اليومي المعاش. يتناول الفيلم وضع فتاة اسمها رانا تعيش في القدس وتريد الزواج من الشاب الذي تحبه (مخرج مسرحي) وحتى تفعل ذلك عليها ان تبحث عنه وتأتي به الى والدها قبل الساعة الرابعة بعد ظهر ذلك النهار. انه الوقت الذي حدده والده لها صبيحة ذلك اليوم. عند تلك الساعة المحددة سيتوجه الى القاهرة في رحلة عمل قد تستمر طويلا. وهو كان أعطاها قائمة: اختاري منها من تريدين. لكنها تنظر الى اللائحة ولا تريد منها شيئا.

هناك مشهد لاحق نرى رنا فيه (كما تؤديها الممثلة الجيدة كلارا خوري) تندفع في فضول لمشاهدة واحد من أسماء تلك اللائحة: محام، تقول اليافطة عند الباب. تصعد الى مكتبه وترمي نظرة ثم تولي هاربة وضاحكة.

الضحك يتسلل الى قلب هذا الفيلم رغم جدية طرحه. يعكس ثقة المخرج في أن المعاناة المفروضة على الشعب الفلسطيني لن تفقد الإنسان هناك رجاحة تفكيره وإقباله على الحياة وتحدي الوضع الجاسم عليه. لكن الفيلم ليس كوميديا. انه دراما جادة عن وضع خانق وفي وسط هذا الوضع فتاة تبحث عن مستقبلها محاولة صنع مصيرها في زمن يحاول الآخرون (حتى والدها الذي لا نرى وجهه الا في مشهد نهائي) القبض على هذا المصير ونسجله على المنوال الذي يريدونه.

الأب في هذه الحالة ليس الوحيد في هذه المحاولة، وهو يستسلم لرغبة ابنته التي لم تكن لتتزوج ممن تحب (مخرج مسرحي) من دون رضاه وموافقته، لكن المانع الأساسي هو تلك الحواجز التي تواجهها والممتدة على مداخل مدينة القدس. رنا، كونها من المدينة، عليها أن تجلب عريسها من رام الله، وتعود به من هناك الى بيتها، أكثر من حاجز، اكثر من سياج يريد منعها من تحقيق ما ترغب به.

من مشاهد داخلية محكمة أدارها بانضباط وعكس فيها ثقافته الفنية بحدود ما أتيح له، الى مشاهد خارجية يتركها هاني أبو أسعد تحت تأثير الظرف التي يحكمها. في وسط تلك المشاهد الخارجية يأتي المخرج بمفارقة يصوّر فيها انعكاس الواقع المعاش في ذات بطلته. نراها تذهل وتبكي وتنفعل وتشعر بالكآبة أحيانا، لكنها لا تيأس. نراها في مشاهد أخرى وهي تغني وتفرح وتحوّل اصرارها الى سلاح. وكلارا خوري ـ ابنة الممثل المسرحي أكرم خوري ـ التي تقف أمام الكاميرا لأول مرة تنجز المهمة بنجاح. يكفي أنها تحمل الفيلم اذ تظهر في كل لقطة منه تقريبا. انها مخاطرة خاضها المخرج ورهان على ممثلة لم يسبق لها أن حملت مشهدا على الشاشة فما البال بفيلم كامل؟

* رود ستايغر الذي ودّع: اتهم إيليا كازان بإنجاح مارلون براندو على حسابه

* رود ستايغر الذي توفى عن 77 سنة في التاسع من هذا الشهر كان يغالي في الاداء كلما سنحت له الفرصة في ذلك. ليس كثيرا، بل في مشاهد محددة او لقطات بعينها كان يعتقد أنها ستمنحه فرصة إضافية لترك الأثر. ترى ذلك بوضوح في «في حرارة الليل» الذي نال عنه أوسكار أفضل ممثل، لكنك لا تراه في «د. زيفاغو» مثلا. تجده في «آل كابوني»، حيث لعب دور رئيس العصابة الشهير، لكنه يختفي في «على رصيف الميناء». ولد في 1925/04/14 في ولاية نيويورك ووالداه انفصلا قبل أن يطبّق العام الأول من عمره. انقطع عن المدرسة وهو في السادسة عشر من عمره والتحق بالبحرية لأربع سنوات. في العام 1945 انضم الى مدارس للتمثيل أهمها «اكتورز استديو». في العام 1947 ظهر ممثلا أول مرة على المسرح وفي مسرحيات صوّرت للتلفزيون المبكر. عدد الإنتاجات التلفزيونية التي قام بها (نحو 250 عملا) ومن المسرحيات التي قام ببطولتها «عدو الأمة» لأسبين و«راشومون» و«موبي دِك» لملفيل هرمان. في العام 1951 مثل في السينما لأول مرة. الفيلم كان «على رصيف الميناء» حيث لعب دور شقيق مارلون براندو، والجميع يذكر ذلك المشهد الذي يضمّه وبراندو في السيارة وبراندو يلومه على أنه لم يرعه حين كان بحاجة اليه، بل تركه غير مثقف وبلا مستقبل. الدراما كانت من اخراج ايليا كازان الذي صرّح ذات مرة أن رود ستايغر لامه كثيرا بعد انتهاء الفيلم متهما اياه بأنه لم يعطه حيّزا واهتماما موازيا لذلك الذي ناله مارلون براندو. وعلى لسان كازان أنه لم يكن يعتقد أن «ستايغر في جودة براندو على اي حال».

لكن انطلاقة ستايغر كانت كبيرة. أصبح اسما في عالم السينما وظهر مع بعض كبار الممثلين الآخرين في أفلام مثل «السكين الكبير» و«أوكلاهوما» وقاد بطولة «آل كابون» ولعب دور نابليون في «ووترلو» سنة 1968 بعد عام واحد من تمثيله «في حرارة الليل». هذه المرة هو الذي سرق شيئا من شريكه في الفيلم: الأوسكار. «في حرارة الليل» (اخرجه نورمان جويسون) فيلم تحقيق بوليسي يقوم به رجل تحرٍ أسود (بواتييه) في بلدة جنوبية لا تزال تعيش الواقع العنصري حتى أنفها. رئيس البوليس في البلدة (ستايغر) عليه مساعدة المتحري الأسود القادم من المدينة الكبيرة وهو يفعل بتمنع. تم انتاج الفيلم في حمى الحركات المطالبة بالمساواة الإجتماعية بين السود والبيض وقبل عام واحد من اغتيال مارتن لوثر كينغ. لكن كل هذه الأجواء وكل تمثيل بواتييه الممتاز في هذا الفيلم وحقيقة أن العمل يدور عنه أساسا لم ينفع في مسابقة الأوسكار اذ فاز ستايغر عليه فوزه الوحيد.